وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا).
قيل: تحرم شحوم بطونهما، ومن الثروب، وشحم الكليتين.
(أَوِ الْحَوَايَا). وهي المباعر والمصارين، أي: الشحم الذي عليهما.
(أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ).
قيل: الألية.
وقيل: قوله: (إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا): هو سمن اللحم، قيل فيه أقاويل مختلفة في هذا، وفي الأول في قوله: (حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ)، لكن ليس لنا إلى معرفة ذلك حاجة؛ لأن تلك شريعة قد نسخت، والعمل بالمنسوخ حرام، فإذا لم يكن علينا العمل بذلك فليس لنا إلى معرفة ذلك حاجة كان ذا أو ذا، وإنَّمَا علينا أن نعرف: لم كان ذلك التحريم عليهم؟ وبم كان تحريم هذه الأشياء عليهم؟
فهو - واللَّه أعلم - ما ذكر في قوله: (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا. . .) الآية، أخبر أن ما حرم عليهم من الطيبات؛ بظلمهم للذين ظلموا؛ ولذلك قال اللَّه - تعالى -:
(ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ).
أخبر أن ذلك جزاء بغيهم الذي بغوا.
والثاني: أنهم كانوا يدعون ويقولون: (نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ)، يقول: لو كنتم صادقين في زعمكم أنكم أبناء اللَّه وأحباؤه، لكن لا أحد يعاقب ولده أو حبيبه بأدنى ظلم، ولا يحرم عليه الطيبات، فإذا كان اللَّه حرم عليكم الطيبات، وجزاكم بتحريم أشياء؛ عقوبة لكم بظلمكم وبغيكم - ظهر أنكم كذبتم في دعاويكم، وافتريتم بذلك على اللَّه.