وإنما استدلوا بالرضا من اللَّه والإذن فيه بما كانوا يخوفون إياهم الهلاك والعذاب بصنيعهم الذي كانوا صنعوا، ثم رأوهم ماتوا على ذلك ولم يأتهم العذاب، فاستدلوا بتأخير نزول العذاب عليهم على أن اللَّه رضي بذلك، واللَّه أعلم.
وليس للمعتزلة في ظاهر هذه الآية أدنى تعلق؛ لأنهم يقولون: إن اللَّه - تعالى - قد ردّ ذلك القول الذي قالوا، وعاتبهم على ذلك القول بقوله: (كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا)، وأوعدهم على ذلك وعيدًا شديدًا، فلو كان يجوز إضافة المشيئة إلى اللَّه تعالى في ذلك على ما تضيفون أنتم لم يكن يرد ذلك عنهم، ولا عاتبهم على ذلك، ولا أوعدهم وعيدًا في ذلك؛ دل أنه لا يجوز أن يقال ذلك، ولا إضافة المشيئة إليه في ذلك.
فنقول - وباللَّه التوفيق -: إن المشيئة - هاهنا - تحتمل وجوهًا:
أحدها: ما قال الحسن والأصم من الرضا؛ قالوا: إن اللَّه رضي بذلك.
والثاني: الأمر والدعاء إلى ذلك؛ يقولون: إن اللَّه أمرهم بذلك، ودعاهم إلى ذلك.
والثالث: كانوا يقولون ذلك على الاستهزاء والسخرية، لا على الحقيقة، وهكذا أمر المجوس أنهم إذا قيل لهم هذا: لم لا تؤمنون وتسلمون؟ يقولون ما قال هَؤُلَاءِ: لو شاء اللَّه لآمنا ولا أشركنا؛ فهذا العتاب الذي لحقهم والوعيد الذي أوعدهم إنما كان لما قالوا ذلك استهزاء منهم، أو لما ادعوا من الأمر والدعاء على اللَّه وافتروا عليه، أو الرضا أنه رضي بذلك.
على هذه الوجوه الثلاثة تخرج المشيئة في هذا الموضع - واللَّه أعلم - لا على ما قاله المعتزلة، وهو ما ذكر في آية أخرى: (وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا) هي كلمة حق، لكن قالها استهزاء وهزؤا، فلحقه العتاب.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا) أي: هل عندكم من بيان وحجة من اللَّه فتبينوه لنا وتظهروه على زعمكم أن اللَّه أمركم بذلك ودعاكم إليه أو ترككم على ذلك لما رضي بذلك دون أن أمهلكم ليعذبكم، أو ليس قد ترك من خالفكم في ذلك، ثم لم يدل تركه إياهم على أنه رضي بذلك، فقال اللَّه: