ونبوته لا السحر، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (١١٠)
كان موسى لا يريد أن يخرجهم من أرضهم، ولكن - واللَّه أعلم - كأنه قال فرعون لقومه: لو اتبعتم موسى وأجبتموه إلى ما يدعوكم إليه لأخرجتكم من أرضكم، لكن أضاف ذلك إلى موسى لما كان هو سبب إخراجهم، واللَّه أعلم.
أو يقول: يريد أن يذهب بعيشكم الطيب وراحتكم وتلذذكم بأنواع التلذذ؛ لأنهم كانوا يستعبدون بني إسرائيل، ويستخدمونهم، ويستريحون هم وينعمون، فيقول للقبط: يريد أن يذهب بذلك كله عنكم.
وجائز أن يكون موسى لم يكن يريد أن يخرجهم من أرضهم، ولكن يريد أن يخرجهم من دينهم الذي كانوا عليه، ولكنه كان يغري قومه عليه.
وقوله: (فَمَاذَا تَأْمُرُونَ).
دل هذا القول من فرعون أنه كان يعرف أنه ليس بإله ولا رب؛ لأنه لو كان ما يقول: (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى) لكان لا يطلب من قومه الأمر والإشارة في ذلك، دل ذلك أنه كان يعرف عجزه وضعفه؛ لكنه يكابر ويلبس على قومه ويموه بقوله: (إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ).
وقوله: (يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ) هذا الحرف حرف إغراء وتحريش عليه، وقوله: (فَمَاذَا تَأْمُرُونَ) هو حرف تقريب حيث جعل إليهم الأمر والإشارة، وجعلهم من أهل مشورته.
وقوله: (قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (١١١)
هذا الحرف لا يقال ابتداء إلا أن يكون هنالك تقدم شيء، فكأنه هم بقتله؛ كقوله: (ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ)، فقالوا له: (أَرْجِهْ)، أي: أَخِّرْه واحبسه ولا تقتله ليتبين سحره عند الخلق جميعًا، كانوا يمنعون فرعون عن قتله.
ألا ترى أنه قال: (ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى)، لو لم يكن منهم منع عن قتله لم يكن ليقول لهم: (ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى).