قوله تعالى: (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٧١)
وقوله: (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ).
قيل: رفعنا الجبل؛ كقوله: (وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ).
وقيل: نتق: قطع.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: حرف أخذ من كتبهم فلا ندري كيف كان.
وقيل: حركنا؛ وهو قول الْقُتَبِيّ.
وقال أبو عبيد: كل شيء قلعته من موضعه فرميت به.
ذكر هذا - واللَّه أعلم - ليصبر رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - على سفه قومه؛ لأن قوم موسى مع كثرة ما عاينوا من الآيات التي جرت على يدي موسى، وعظيم ما كان لهم من موسى من النعم؛ من استنقاذه إياهم من استرقاق فرعون، وإخراجهم من يده، وفرق البحر لهم، ومجاوزته بهم، وتفجير الأنهار من الحجر، وإنزال المن والسلوى لهم؛ فجميع ما كان لهم من موسى ما ذكرنا لم يقبلوا التوراة ولم يقروا بها إلا بعد رفع الجبل عليهم والإرسال، فعند ذلك قبلوا؛ يصبر رسولنا؛ لئلا يضجر على مخالفة قومه إياه وكثرة سفههم.
ثم يحتمل أن يكون ما ذكر من رفع الجبل فوقهم وجهين:
أحدهما: أنهم لما عاينوا ذلك آمنوا به وقبلوا الكتاب، لكن ذلك منهم إيمان دفع؛ إذ ذلك قهر، ولا يكون في حال القهر إيمان.
والثاني: صيَّر ذلك آية عظيمة وحجة واضحة معجزة، فقبلوها وحققوا الإيمان به، ثم تركوا ذلك، يدل على ذلك ما ذكر في سورة البقرة؛ حيث قال: (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ