وقيل: تركها؛ وكله واحد.
ثم يحتمل قوله: (فَانْسَلَخَ مِنْهَا) أي: كانوا قبلوها مرة، ثم ردوها من بعد القبول.
ويحتمل: أن لم يقبلوها ابتداء فخرجوا منها وكذبوها.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ).
فيه دلالة أن اللَّه لا يتبع الشيطان أحد ولا يزيغه إلا بعد أن كان منه الاختيار للضلال والميل إليه؛ حيث قال: (فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ) إنما أتبعه الشيطان بعد ما كان منه الانسلاخ والنزع.
وقوله: (فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ) قيل: كان في علم اللَّه أن يكون في ذلك الوقت من الغاوين.
وقيل: كان من الغاوين، أي: صار من الغاوين إذا انسلخ منها وخرج، والغاوي: الضال.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا ... (١٧٦)
يحتمل قوله: (لَرَفَعْنَاهُ بِهَا): عصمناه حتى لا ينسلخ منها ولا يكذب بها، أي: لو شئنا لوفقناه لها حتى يعمل بها.
أو أن يقال: لو شئنا لعصمناه حتى لا يختار ما اختار، لكنه إذ علم منه أنه يختار ذلك ويميل إليه، شاء ألا يعصمه، ولا يوفقه، فكيفما كان فهو على المعتزلة؛ لأنه أخبر أنه لو شاء لرفعه بها، وكان له مشيئة الرفع، ثم أخبر أنه لم يرفع، ولو رفعه بها كان أصلح له في الدِّين؛ دل أنه قد يفعل به ما ليس هو بأصلح في الدِّين، وهم يقولون: إن، المشيئة - هاهنا - مشيئة القهر والقسر، لا مشيئة الاختيار، لكن ما ذكرنا أن الإيمان في حال الاضطرار والقهر لا يكون إيمانًا، فلا معنى لذلك، ولا يكون ذلك رفعًا؛ فيبطل قولهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ):
هو ما ذكرنا؛ لما علم منه أنه يخلد إلى الأرض ويميل إليها، لم يعصمه ولم يرفعه.
والإخلاد إلى الأرض: قال الحسن: سكن إلى الأرض.