وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٤٤) يحتمل قوله: (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ. . .) الآية، لما رأوا الملائكة لأنفسهم أنصارًا وأعوانًا؛ إذ كان قد وعدهم النصر والإعانة بالملائكة، وكان العدو مع الملائكة فاستقلوا؛ لأن العدو وإن كانوا كثيرًا فهم قليل مع الملائكة، فرأوهم قليلا على ما كانوا، وقلل هَؤُلَاءِ في أعين هَؤُلَاءِ؛ لأنهم كذلك كانوا قليلا، فرءوا على ما كانوا، ولم يروا الملائكة.
وقال بعض أهل التأويل: قلل هَؤُلَاءِ في أعين هَؤُلَاءِ، وهَؤُلَاءِ في أعين هَؤُلَاءِ، إذا التقوا؛ ليغري بعضهم على بعض وليجترئ بعضهم على بعض على القتال، واللَّه أعلم.
وقوله: (لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا).
هو ما ذكرنا أنه لينجز ما كان وعدهم من النصر والظفر للمؤمنين، والغلبة والهزيمة على أُولَئِكَ، وكذلك ذكر في القصة أن قوله: (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ)، في بدر فيه وعد ذلك؛ كقوله: (كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا).
ويحتمل قوله: (لِيَقْضِيَ اللَّهُ)، أي: ليخلق اللَّه وينشئ ما قد علم أنه يكون كائنًا، أو ليفصل بين الحق والباطل مما قد علم أنه يكون.
وقال بعض أهل التأويل: (لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ): في علمه، (مَفْعُولًا): كائنًا؛ يقول: فيوجب أمرًا لابد كائن؛ ليعز الإسلام وأهله بالنصر، ويذل الشرك وأهله بالقتل والهزيمة، واللَّه أعلم. وهو قريب مما ذكرنا.
(وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ).
أي: إلى اللَّه يرجع تدبير الأمور وتقديرها، له التدبير في ذلك في الدنيا والآخرة.
وذكر في بعض القصة أن أبا جهل - لعنه اللَّه - لما رأى قلة المؤمنين ببدر قال: واللَّه لا يعبد اللَّه بعد اليوم، فأكذبه اللَّه وقتله، فقال: (وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) لا إلى الخلق، واللَّه أعلم.
وأمر بدر من أوله إلى آخره كان آية، حتى عرف كل أحد ذلك، إلا من عاند وكابر عقله.