بوجهه إليهم فقال: (إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ): إذا عاقب.
قيل: رأى جبريل مع الملائكة ينزلون، فخاف منهم؛ ففيه دلالة أنه كان يخاف الهلاك قبل يوم الوقت المعلوم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٤٩)
قَالَ بَعْضُهُمْ: الذين في قلوبهم مرض هم المشركون (غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ).
وعن الحسن: (إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ)، قال: هم قوم لم يشهدوا القتال يوم بدر؛ فسموا منافقين.
وقال بعض أهل التأويل: إن قوما كانوا أسلموا بمكة، فأقاموا بها مع المشركين، ولم يهاجروا إلى المدينة، فلما خرج كفار مكة إلى بدر خرج هَؤُلَاءِ معهم، فلما عاينوا قلة المؤمنين وضعفهم، شكوا في دينهم وارتابوا فقالوا: (غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ)، يعنون: أصحاب مُحَمَّد.
يقول اللَّه: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ) فيثق بوعده في النصر ببدر؛ لقولهم: (غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ)، (فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ): لا يعجزه شيء.
وقوله: (غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ)؛ لأنه لم يكن معهم عدة ولا أسباب الحرب من السلاح وغيره، فلم يكونوا يقاتلون إلا بقوة دينهم.
وقوله: (إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ).
فَإِنْ قِيلَ لنا: ما الحكمة في ذكر قول المنافقين في القرآن حتى نتلوه في الصلاة؟!
قيل: ذكر - واللَّه أعلم - لنعرف عظيم منزلة الدِّين وخطير قدره في قلوبهم، أعني: قلوب المؤمنين، وذلك أنهم بذلوا أنفسهم للهلاك؛ لخروجهم لقتال عدوهم مع ضعفهم،