صد الناس عن سبيل اللَّه، واستكبارهم على المؤمنين، وخروجهم لقتال أصحاب رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - إنما عملوا بأنفسهم، لا بالمؤمنين.
وقوله: (وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ).
يحتمل ما ذكر من فعل الملائكة يوم بدر؛ لأن الآية ذكرت في قصة بدر.
ويحتمل أن يكون ذلك في كل كافر أن الملائكة يفعلون به ما ذكر؛ كقوله: (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ. . .) الآية، هذا في كل كافر.
وقوله: (يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ).
ليس على إرادة حقيقة الوجه والدبر، ولكن على إرادة إيصال الألم إليهم بكل ضرب وبكل جهة؛ كقوله: (لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ)، ليس على إرادة التحت والفوق، ولكن على إرادة إحاطة العذاب بهم؛ فعلى ذلك الأول.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: يضربون وجوههم في أحال، إقبالهم على المؤمنين، وإدبارهم وانهزامهم منهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (٥١)
ذكر تقديم اليد، وإن كان الكفر من عمل القلب؛ لما باليد يقدم في العرف.
وقوله: (ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ).
في الآية دلالة الرد على المجبرة؛ لأنهم لا يجعلون للعبيد في أفعالهم صنعًا، يجعلون حقيقة الأفعال لله، وذكر (بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ)، فلو لم يكن لهم صنع، لم يكن لقوله: (بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ) معنى، وكذلك قوله: (وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)، فلو لم يكن لهم حقيقة الفعل، لكان الئعذيب ظلمًا؛ دل أن لهم فعلا، واللَّه أعلم.
قوله: (لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ).
فيما شرع من القتال، والإهلاك، والتعذيب في الآخرة؛ لأنه مكن لهم ما يكسبون به النجاة والحياة الدائمة، فما لحقهم مما ذكر، إنما كان باكتسابهم واختيارهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (٥٢)
قَالَ بَعْضُهُمْ: صنيع هَؤُلَاءِ، أي: صنيع أهل مكة بمُحَمَّد كصنيع فرعون وقومه