وقوله: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ).
(الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) وهو كما ذكر في آية أخرى: (أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ)، أخبر أن الذين كفروا وكذبوا بآياته أضل من الأنعام، وقد ذكرنا فائدة قوله: (بَلْ هُمْ أَضَلُّ) في موضعه.
ويحتمل قوله: (شَرَّ الدَّوَابِّ) أي: شر من يدب على وجه الأرض من الممتحنين (الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ)، ثم ليكونوا بهذا الوصف إذا ختموا بالكفر وترك الإيمان.
ثم اختلف فيه:
قَالَ بَعْضُهُمْ: نزل في بني قريظة؛ حيث عاهدوا رسول اللَّه، ثم أعانوا مشركي مكة على رسول اللَّه بالسلاح وغيره، فأقالهم رسول اللَّه، وكانوا يقولون: نسينا وأخطأنا، ثم عاهدهم ثانية، فنقضوا العهد، فذلك قوله: (ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ (٥٦): نقض العهد، أو لا يتقون الشرك.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: نزل قوله: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ. . .) إلى آخر الآية، في المردة والفراعنة من الكفار، كانوا عقلوا ما سمعوا ودرسوا، ولكن غيروه فلم يؤمنوا به؛ على هذا حمل أهل التأويل تأويل الآية إلى ما ذكرنا، وإلا صرف الآية إلى أهل النفاق أولى؛ لأنهم هم المعروفون بنقض العهد مرة بعد مرة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ ... (٥٧)
قيل: تأمرنهم في الحرب.
وقيل: تلقينهم في الحرب.
وقيل: تجدنهم في الحرب.
(فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ).
قيل: نكل بهم من بعدهم، أي: اصنع بهم ما ينكلون من خلفهم، أي: يمتنعون.
وقيل: فعظ بهم من خلفهم، أي: من سواهم.
الآية نزلت في قوم علم اللَّه أنهم لا يؤمنون، وكانت عادتهم نقض العهد، فأمر - عز