أحدهما: يقول: ما كان لنبي أن يأخذ من الأسرى الفداء، (حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ) أي: يغلب، حتى إذا أخذ الفداء وسرحهم بعد ما غلب في الأرض، يكون رجوعهم إلى غير منعة وشوكة، وإذا لم يغلب في الأرض، أي: حتى يصير الدِّين كله لله؛ كقوله: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ) الآية، هذا كان لمن قبله، فرخص لرسوله ذلك.
وقيل في قوله: (لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) بوجوه:
أحدها: ما قال أبو بكر الأصم: تأويله: لولا كتاب من اللَّه سبق ألا يعذب المخطئين في عملهم على خلاف أمره، وإلا لمسكم العذاب فيما أخذتم من الأسارى والفداء منهم عذاب عظيم.
وقال آخرون: قوله: (لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ): أي: أحل الغنائم لهذه الأمة، وإلا لمسكم العذاب فيما أخذتم واستحللتم عذاب عظيم.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: لولا كتاب من اللَّه سبق أنهم يتوبون عما عملوا من الأخذ وغيره، وأنه يتوب عليهم، وإلا لمسكم العذاب أبذلك وأمكن أن يكون التأويل في غير هذا كان في قوله: (فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ)، دلالة إباحة الأمر ورخصته؛ لأنه قال: (فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ) وهو الإبانة من المفصل الذي تبان به الرءوس، وذلك قلما يمكن في القتال، ولا يقدر إبانة الرءوس في الحرب، إنما يمكن ذلك بعد ما أخذوا أو وقعوا في أيديهم.
وأما ما ذكر من ضرب البنان: فهو في الحرب؛ لأنه في الحرب إنما يضرب فيما ظفر ووجد السبيل إلى ذلك، ففيه دلالة.
وتأويل قوله: (لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٦٨) يحتمل أن يكون ملحقًا على ما سبق من قوله: (كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ (٥) يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ. . .) الآية، أي: لولا أن من حكم اللَّه أن يجعل لكم الظفر على إحدى الطائفتين، وإلا لمسكم العذاب بمجادلتكم رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -