يبلغنا أن أبا بكر استرق واحدًا من أهل الردة، وكيف يجوز استرقاقهم وقد قال اللَّه - تعالى -: (تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ).
وأمَّا الفداء والقتل: فقد ظهر من فعل رسول اللَّه في أسارى بدر.
وفيما روي من الاستشارة - استشارة النبي أصحابه في الأسارى - دلالة العمل بالاجتهاد، وفيما روي في الخبر عن نبي اللَّه - عليه السلام - قال لأبي بكر، وعمر: " يا أبا بكر ويا عمر، إن ربي يوحي إلي أن أشاوركما، ولولا أنكما تختلفان ما عصيتكما، أو ما عملت بخلاف رأيكما فيه " - أنه لا يجوز لأحد أن يخالفهما، ورسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يقول: " لولا أنكما تختلفان ما عصيتكما، أو ما عملت بخلاف رأيكما ".
ثم ما أخذ من الأسارى من الفداء لا يدري على أي وجه أخذ على الترك أو الرد إلى أوطانهم من غير أن تركهم بالجزية؛ إذ من قولهم ألا يجوز أخذ الجزية منهم، والترك على ذلك.
وفي الآية دلالة ذلك، وهو قوله: (تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ).
وفي الخبر: " لا يجتمع دينان في جزيرة العرب " إلا أن يقال: إن المفاد إلا التي ذكر كان هذا، وهذا كان بعده، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٦٩)
قَالَ بَعْضُهُمْ: قوله: (حَلَالًا طَيِّبًا) واحد، كل حلال طيب، وكل حرام خبيث، وإنما يطيب إذا حل، ويخبث إذا حرم، ولكن يحتمل قوله: (حَلَالًا) بالشرع، (طَيِّبًا) في الطبع، وكذلك الحرام هو حرام بالشرع، وخبيث بالطبع، وإنما يتكلم بالحل والحرمة من جهة الشرع، والطيب والخبيث بالطبع.
والطيب: هو الذي يتلذذ به ولا تبعة فيه؛ لأن خوف التبعة ينغص عليه ويذهب بطيبه ولذته.
وجائز ما ذكر من الطيب - هاهنا - لما أن أهل الشرك كانوا يأخذون الأموال ويجمعونها من وجه لا يحل، وبأسباب فاسدة، فيكرهون التناول منها إذا غنموها لتلك الأسباب