أحدها: أن إخوانكم الذين لم يهاجروا إذا استنصروكم على عدوهم فلم تنصروهم، تكون فتنة في الأرض وفساد كبير، أي: إن لم تكونوا بعضكم أعوانًا وأنصارًا لبعض، على ما كان أهل الكفر بعضهم أنصارا لبعض غِلبكم العدو وقهركم، فيكون في ذلك فتنة وفساد، ويكون كقوله: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ).
وقال بعصهم: قوله: (إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ) ملحق بقوله: (إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ)، أي: إذا استنصركم إخوانكم على قوم بينكم وبينهم ميثاق فنصرتموهم، تكن فتنة وفساد كبير.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: قوله: (إِلَّا تَفْعَلُوهُ) فيما أمركم به من جعل التوارث فيما بين المؤمنين، وجعلتم الميراث والتوارث فيما بينكم وبين الكفار (تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ)؛ لأن اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - ذكر المواريث، ثم ذكر في آخر الآية: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ)، وما ذكر من ترك حدود اللَّه، وطاعة رسوله، وجعل الميراث في غير ما أمر - عَزَّ وَجَلَّ - (تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٧٤)
أي: ضموا رسول اللَّه والمهاجرين ونصروهم.
(أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا).
أي: المهاجرون والأنصار الذين ضموا (أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا)؛ لما حققوا إيمانهم بأعمالهم؛ لأنهم هاجروا من بلادهم وأهلهم وأموالهم؛ إشفاقًا على دينهم، واستسلامًا له، وأجابوا رسول اللَّه وأطاعوه في ذلك، وأُولَئِكَ الأنصار ضموهم إلى أنفسهم وأنزلوهم في منازلهم، وبذلوا لهم أنفسهم وأموالهم، ونصروهم على عدوهم، فقد حققوا جميعًا إيمانهم بأعمالهم التي عملوا.
ويحتمل قوله: (أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا) أي: صدقًا في السر والعلانية، ليس كإيمان