أشهر (إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ).
على ما ذكرنا حمل هَؤُلَاءِ كلهم قوله: (بَرَاءَةٌ) على النقض.
وعندنا يحتمل غير هذا، وهو أن قوله: (بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) في إمضاء العهد ووفائه، والبراءة هي الوفاء، وإتمامه ليس على النقض؛ لأنه قال: إلى الذين عاهدتم من المشركين والبراءة إليهم هي الأمان والعهد إليهم، ولو كان على النقض لقال: " من الذين عاهدتم من المشركين " فدل أنه هو إتمام إعطاء العهد إليهم، وإمضاؤه إليهم، ويؤيد هذا ما قال بعض أهل الأدب: إن البراءة هي الأمان؛ يقال: كتبت له براءة، أي: أمانًا؛ هذا الذي ذكرنا أشبه مما قالوا، أعني: أهل التأويل.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ (٢)
أي؛ سيروا واذهبوا في الأرض (أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) أي: في مدة العهد.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي).
أي: اعلموا أن المؤمنين وإن أعطوا لكم العهد في وقت فإنكم غير معجزي الله وأولياءه، ولا فائتين عنكم في تلك المدة.
(وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ) الخزي: هو العذاب الفاضح الذي يفضحهم ويظهر عليهم.
ويحتمل أن يكون ذلك العذاب والإخزاء الذي ذكر في الآخرة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٣)