أحدهما: أن يدعه ولا يمنعه عن العود إلى مأمنه؛ ليعلم أن حكم تلك الدار لم يزل عنه، وأنه لا تلزم الجزية إلا عن طوع أو دلالة عليه.
والثاني: أن يكون عليه حفظه إلى أن يبلغه مأمنه بدفع المسلمين عنه، وفي ذلك لزوم حق الأمان الجميع بإجارة بعض، وعلى ذلك كل مسلم.
ثم سماع كلام اللَّه يخرج على القرآن، وفيه ما ذكرت من الدلالة، وعلى سماع أوامر اللَّه ونواهيه في حق الفرض عليه، وعلى سماع حجج النبوة وآيات الرسالة والتوحيد من القرآن، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ).
أي: ما لهم وما عليهم.
ويحتمل نفي العلم: بما لم ينتفعوا بما علموا.
ويحتمل ذلك تعليم من مع رسول اللَّه كيفية معاملة الكفرة؛ إذ هم لم يكونوا يعلمون من قبل، واللَّه أعلم.
ثم قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٧)
هو - واللَّه أعلم - أن كيف يستحقون العهد، وكيف يُعْطَى لهم العهد، وقد نقضوا العهود التي بينهم وبين ربهم وبين رسول اللَّه؟!
فأما العهود التي بينهم وبين ربهم فهي عهد الخلقة؛ إذ في خلقة كل أحد الشهادة على وحدانية اللَّه وألوهيته، والشهادة على الرسالة.
وما عهد إليهم في كتبهم من إظهار صفة مُحَمَّد ونعته للخلق، فنقضوا ذلك كله ونقضوا العهود التي بينهم وبين رسول اللَّه ولم يحفظوها؛ يقول - واللَّه أعلم -: كيف يستحقون أن يُعْطَى العهد لهم، وقد نقضوا العهد الذي عهد اللَّه إليهم والعهود التي أعطاهم رسول اللَّه؟! لا يستحقون ذلك، إلا أن اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - بفضله وإحسانه أذن أن يعطي لهم العهود: (فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ)، أي: أوفوا لهم العهد إذا أوفوا لكم وإن انقضت المدة؛ يقول - واللَّه أعلم -: إذا استقاموا لكم في وفاء العهد، فاستقيموا لهم في وفائه، وإن انقضت المدة.