عنه؛ لأنه حبب إليهم التجارة والمكاسب وما ينالون الأرباح بها يحملهم ذلك على الإسلام فيسلمون، فيدخلون فيها يحملهم حب التجارة على الإسلام، فيكون لهم بهم غنى، كما كان يحملهم حب التجارة والربح على الهجرة، وقوله: (وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا)، فعلى ذلك الأول.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: قوله: (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ): الجزية التي ذكرها في الآية التي تتلو هذه.
وقوله: (إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).
بما أضمروا من خوف العيلة أو (عَلِيمٌ) بما لهم وعليهم، وممن يكون لهم الغنى.
قوله تعالى: (حَكِيمٌ) في أمره وحكمه.
وفي قوله: (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً) دلالة إثبات رسالة مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -؛ لأنه معلوم أنهم أضمروا ذلك في أنفسهم، ثم أخبرهم رسول اللَّه بذلك؛ دل أنهم علموا أنه إنما عرف ذلك باللَّه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (٢٩)
ذكر أهل الكتاب اليهود والنصارى، أخبر أنهم لا يؤمنون باللَّه ولا باليوم الآخر؛ وهم في الظاهر يقرون بوحدانية اللَّه واليوم الآخر فما المعنى منه؟!
قيل: هم وإن آمنوا في الظاهر باللَّه واليوم الآخر، فإنما يؤمنون بإلهٍ له ولد كما ذكره على أثره، وهو قوله: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ) فالإيمان بإلهٍ له ولد ليس بإيمان باللَّه، فهم غير مؤمنين، وكذلك آمنوا بالبعث واليوم الآخر، ولكن لم يؤمنوا بالموعود في الآخرة، فالإيمان باليوم الآخر بغير الموعود فيه ليس بإيمان به.
أو أن يقال: إنهم وإن أقروا بما ذكرنا وآمنوا به، فقد استحلوا أشياء حرمها اللَّه عليهم، وحرموا أشياء أحلها اللَّه لهم، ومن آمن بالكتب كلها والرسل ولم يؤمن بآية منها أو برسول منهم، فهو غير مؤمن باللَّه واليوم الآخر ولا مصدق له.