فلم يؤمنوا، فاستوجبوا القتال إلى أن يفوا بالعهد الذي سبق، والقسم الذي جهدوا به، وليس غيرهم هكذا.
أو على قوله: (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ. . .) الآية، فبين الإياس عن إيمانهم إلا أن يشاء اللَّه، فهو يخرج على وجهين:
أحدهما: الإياس عن إيمانهم.
وقبول الجزية ليخالطوا أهل شريعة اللَّه، فيسمعوا منهم الحجج، ويعاينوا الأفعال المحمودة في العقول، والأخلاق الكريمة التي جاء بها الرسول فيؤمنوا، وهَؤُلَاءِ قد أيأس اللَّه من إيمانهم، وأخبرهم أنهم ييأسون أبدًا؛ فلذلك لم يعط لهم عهد، وعلى ذلك ظهر نقضهم العقود مرة بعد مرة، واللَّه أعلم.
والثاني: أنه استثنى فيهم ألا يؤمنوا بالآيات إلا أن يشاء اللَّه، فلعل اللَّه شاء أن يكون إيمانهم بالقتال خاصة، ففرض فيهم ذلك إلى أن يؤمنوا.
ووجه آخر: أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - هو بعث فيهم ومنهم؛ فأوجبت لهم الفضيلة به ألا يقبل منهم غير الإيمان، كما فضلت البقعة التي فيها بعث رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -.
ومنها ألا يترك فيها غير المؤمن تفضيلا.
ووجه آخر: أنهم قوم ليس لهم أسٌّ، ولا أئمة في الدِّين إليهم يرجعون في التأسيس، ومعلوم أن لا قوام في العقول لأمر الدِّين إلا بالأئمة؛ كالسياسات كلها والأمور فيها القوام من الملك وغيره؛ بل إنما كانوا جروا على عادتهم، وقاتلوا خن القبائل فلا يرجعون - في الحقيقة - إلا إلى عادة خارجة عن التدبير، وغيرهم يرجعون إلى مذاهب أسست مما أسس أمر الديانات، فقد تعلقوا بضرب من ذلك، فتركوا إذا خضعوا وأذعنوا لهم بحق التبع، فيتركون رجاء أن يتأملوا؛ إذ لكل مذهب نظر، وليس لأُولَئِكَ سوى العادة وتقليد الآباء، ومن ذلك وصفه لا ينظر فيمهل للنظر، واللَّه أعلم.
وأيضًا: إن لسائر المذاهب أصول يكثر أهلها، وفي الإقامة على القتال إلى الفناء