فمن عادتهم أنهم إنما يتبعون المنافع، وإليها يميلون، وأما المؤمنون فإنهم يعبدون اللَّه في كل حال: في حال السعة، وفي حال الضيق، ويتبعون رسول اللَّه، ولا يفارقونه، كانت لهم منافع أو لم تكن، أصابتهم مشقة أولا، هم لا يفارقون رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - على كل حال.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ).
أي: لو كان لنا ظهر وسلاح لخرجنا معكم، ولو كان لنا زاد وما نشتري ما نحارب به لخرجنا معكم.
ثم أخبر أن لهم استطاعة على ذلك، وأنهم كاذبون أنه لا استطاعة لهم؛ حيث قال: (وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً).
وقالت المعتزلة: دل قوله: (لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ) أن الاستطاعة تتقدم الفعل؛ لأنه أخبر أنهم كاذبون فيما يقولون: إنه ليس معنا ما ننفق وما نشتري به السلاح.
لكنا نقول: إن الاستطاعة على وجهين:
استطاعة الأسباب، والأحوال.
واستطاعة الأفعال، واستطاعة الأسباب والأحوال يجوز أن تتقدم، وهذه الاستطاعة هي استطاعة الأسباب والأحوال.
ألا ترى أنه قاك: (وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً).
ومن قولهم أيضًا: إن استطاعة الأفعال لا تبقي أوقاتًا، ثم إن هذه أخبر أنها كانت باقية أوقاتًا؛ دل أنها هي استطاعة الأسباب والأحوال.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ).
قيل: يهلكون أنفسهم بأيمانهم الكاذبة أنهم لا يستطيعون.
وقيل: يهلكون أنفسهم بتركهم الخروج؛ لأنهم يقتلون إذا تركوا الخروج؛ كقوله: (مَلْعُونِينَ. . .) الآية.
ويحتمل: يهلكون أنفسهم في الآخرة بنفاقهم في الدنيا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ ... (٤٣) بالتخلف.