منهج المفسرين بالرأي:
قسم الشيخ مُحَمَّد عبده التفسير إلى مرتبتين: مرتبة عليا، ومرتبة دنيا.
ومن حاول المرتبة العليا من مراتب التفسير بالرأي، فعليه أن يأخذ حذره، وأن يتذرع بكل العلوم التي أشرنا إليها؛ ليكون قد أصاب المراد أو كاد، ووجب عليه أن ينهج الصواب والسداد باتباع ما يأتي:
أولا: أن يطلب المعنى من القرآن، فإن لم يجده طلبه من السنة؛ لأنها شارحة للقرآن، فإن أعياه الطلب رجع إلى أقوال الصحابة؛ فإنهم أدرى بالتنزيل وظروفه وأسباب نزوله، فوق ما امتازوا به من الفهم التام والعلم الصحيح، والعمل الصالح، فإن عجز عن هذا كله ولم يظفر بشيء من تلك المراجع الأولى للتفسير، فيتبع طريق الاجتهاد والرأي.
ثانيًا: اتباع طريق الاجتهاد والعقل باتباع الخطوات الآتية:
الأولى: فهم حقائق الألفاظ المفردة التي أودعت في القرآن عن طريق استعمالات أهل اللغة من نحو وصرف واشتقاق، مع ملاحظة المعاني التي كانت مستعملة زمن نزول القرآن.
الثانية: إرداف ذلك بالكلام عن التراكيب من جهة الإعراب والبلاغة، وذلك يحصل بممارسة الكلام البليغ ومزاولته مع التفطن لنكته ومحاسنه.
الثالثة: تقديم المعنى الحقيقي على المعنى المجازي؛ بحيث لا يصار إلى المجاز إلا إذا تعذرت الحقيقة.
الرابعة: مراعاة التناسب بين الآيات، فيبين وجه المناسبة، ويربط بين السابق واللاحق من آيات القرآن، حتى يوضح أن القرآن لا تفكك فيه، وإنما هو آيات يأخذ بعضها برقاب بعض.
الخامسة: ملاحظة أسباب النزول، فإن لسبب النزول دورًا كبيرًا في بيان المعنى المراد.
السادسة: مراعاة التأليف والغرض الذي سيق له الكلام.
السابعة: مراعاة مطابقة التفسير للمفسر من غير نقص ولا زيادة.
الثامنة: مطابقة التفسير لما هو معروف من علوم الكون، وعلم أحوال البشر، واختلاف أحوالهم: من ضعف وقوة، وعز وذل، وإيمان وكفر.