فيقولون لك: مما يخوض فيه الركب إذا ساروا.
وليس لنا إلى معرفة كيفية استهزائهم حاجة، ولا مأرب سوى أن فيما ذكر لنا من خبر المنافقين تنبيهًا للمؤمنين وتحذيرًا لهم؛ ليحذروا إسرار ما لم يظهروا على ألسنتهم؛ ليعلموا أن اللَّه مطلع على ما يسرون ويضمرون.
وقوله: (قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ).
قوله: (أَبِاللَّهِ) يحتمل الإضافة إلى نفسه إضافة إلى أنفس المؤمنين؛ لأنه لا أحد يقصد قصد الاستهزاء باللَّه، ولكنهم كانوا يستهزئون برسول اللَّه وبالمؤمنين؛ فأضاف إلى نفسه؛ كقوله: (يُخَادِعُونَ اللَّهَ)، وكذلك قوله: (إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ. . .) الآية؛ فعلى ذلك الأول كانوا يستهزئون برسول اللَّه وبالمؤمنين، فأضاف إلى نفسه؛ تعظيمًا لهم وإكرامًا.
وقوله: (وَآيَاتِهِ) يحتمل أنهم كانوا يستهزئون بالأحكام التي لها آيات، فاستهزءوا بتلك الأحكام؛ فأضاف الاستهزاء إلى الآيات؛ كقوله: (وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا) الآية.
(وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا) هم لم يتخذوا آيات اللَّه هزوا؛ ولكن هزوا بالأحكام التي لها آيات فأضاف الهزء إلى آياته، ولكن من استخف بحكم من الأحكام التي لها آيات كان ذلك استخفافا بآياته، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (٦٦)
أي: لا تعتذروا فإنه لا يقبل اعتذاركم؛ لما لا عذر لكم فيما تعتذرون بعد ما قلتم إنه أذن لما ظهر منكم الخلا والكذب في ذلك؛ كقوله: (يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ)، أخبر أنه لا نصدقهم فيما اعتذروا؛ لما ظهر كذبهم وتبين خلافهم.
وقوله: (قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ).
يحتمل: كفرتم في الباطن بعد ما أظهرتم باللسان.
ويحتمل: (قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) حقيقة قد كفروا بعد ما آمنوا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً).