ولم يكن لهم عذر في ذلك؛ كقوله: (إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ)، الآية، فعلى ذلك الأول يحتمل هذا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (٨٧)
قيل: مع النساء، فهذا حرف تعيير وتوبيخ، أي: رضوا بأن يكونوا في مشاهد النساء دون مشاهد الرجال.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ).
أن للإيمان نورًا يبصر به عواقب الأمور، ويرفع الحجاب والستر عن القلوب وعن الأمور فتراها بادية ظاهرة، وللكفر ظلمة تستر الظاهر من الأمور والبادي منها، فتستر تلك الظلمة قلبه، فذلك الطبع، وقد ذكرنا الوجه فيه في غير موضع، واللَّه أعلم.
(فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ).
ما يلحقهم من التعيير برضاهم بالقعود مع الخوالف، والفقه: هو معرفة الشيء بمعناه الدال على نظيره، منعت تلك الظلمة أن تعرف الأشياء بمعانيها وبنظائرها للحجاب الذي ذكرنا.
* * *
قوله تعالى: (لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٨٨) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٨٩)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ)
يقول - واللَّه أعلم -: إن الرسول والذين حققوا الإيمان والتصديق جاهدوا بأموالهم وأنفسهم، أي: بذلوا أنفسهم وأموالهم لنصر دين اللَّه، وإظهار سبيله، ولم يبخلوا كما بخل أهل النفاق في بذل أموالهم وأنفسهم في نصر دينه بالمجاهدة مع أعدائه، ولم يحققوا الإيمان والتصديق؛ أخبر أن للمؤمنين الذين حققوا الإيمان والتصديق، وبذلوا أنفسهم وأموالهم، وجاهدوا بها في نصر دين اللَّه، وإظهار سبيله - لهم الخيرات.
قَالَ بَعْضُهُمْ: (لَهُمُ الْخَيْرَاتُ): بالذكر في الدنيا، والثناء الحسن، وسلوك الناس طريقهم، وفي الآخرة الثواب والجزاء.
وقيل: الخيرات في الآخرة؛ لما بذلوا أنفسهم وأموالهم في نصر دينه، والمجاهدة مع