وأصله - واللَّه أعلم -: أن كل ما لم يعمل في المنع عن الخروج لشهوة، أو لطمع يرجو نيله من التجارة ونحوها - لم يكن ذلك عذرًا في ترك الخروج؛ إذ شدة الحر وبعد السفر وخوف العدوّ مما لا يمنعهم عن الخروج للتجارة، فلم يصر ذلك عذرًا في التخلف عن الخروج للجهاد، وأما حال المرض والزمانة وعدم النفقة فيمنعهم ويعجزهم عن الخروج في كل ما يهوون ويشتهون، فصار ذلك عذرًا لهم بالتخلف عن الخروج للجهاد.
والثاني: أن كل ما يقدر على دفعه بحال لم يجعل ذلك عذرًا في التخلف، وكل ما لا سبيل لهم إلى دفعه فهو عذر، والحر وبعد السفر وخوف العدو يجوز أن يدفع فيصير كأن ليس، وهو ما ذكر: (قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا)، فإذا ذكر شدة حر جهنم وبعد سفر الآخرة وأهواله، وإن عليه الخروج وسهل، فارتفع ذلك؛ فلذلك صار أحدهما عذرًا والآخر لا، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ).
قيل: لم يخدعوا أحدًا في دينه، ولم يغشوه في دنياه.
وقيل: (إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ)، أي: أطاعوا اللَّه ورسوله في الحضرة، ولم يتركوا طاعته.
وقوله: (مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ) أي: ما على المحسنين من سبيل في تركهم الخروج إذا لم يقدروا على الخروج؛ لما ذكرنا من الزمانة وعدم ما ينفقون،
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
بتركهم الخروج وتخلفهم عن الجهاد مع أصحاب الأعذار.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ (٩٢)