ويحتمل: أيعجبون أن أوحينا إلى رجل منهم على الاستئناف، كانوا يعجبون من ثلاث: من إنزال القرآن على رجل منهم يعجز الخلائق عن إتيان مثله، ويعجبون من الوحي إلى رجل منهم وإرساله رسولا من بين الكل أو من البشر؛ كقوله: (أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا)؛ وكقوله: (أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا. . .)، وكانوا يعجبون من البعث؛ كقولهم: (أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا. . .) الآية.
ثم يحتمل قوله: (إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ) أي: من البشر، أي: لا تعجبوا أن أوحينا إلى رجل من البشر؛ فإن الإيحاء إلى من هو من البشر أبلغ في الحجاج وأقطع للعذر، وأقرب إلى الرأفة والرحمة؛ لأن البشر يعرفون خروج ما هو خارج عن طوق البشر ووسعهم، ولا يعرفون ذلك من غير جوهرهم وغير جنسهم، ويألف كل جنس بجنسه وكل جوهر بجوهره، ولا يألف غير جوهره ولا غير جنسه، فإذا كان ما وصفنا كان بعث الرسول من جنس المبعوث إليهم وجوهرهم أبلغ في الحجاج وأقطع للعذر، وأقرب إلى الرأفة والرحمة.
ويحتمل قوله: (أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ) أي: من الأميين، أي: لا يعجبون أن أوحينا إلى رجل منهم، أي: أمي فإن ذلك أبلغ في التعريف والحجاج؛ لأنه بعث أميًّا لم يعرفوه بدراسة الكتب المتقدمة أو تلاوة شيء منها، ولا عرفوه اختلف إلى أحد منهم في تعليم كتبهم، ولا عرف أنه كتب شيئًا ولا خط خطًّا قط، ثم أخبر عما في كتبهم على موافقة ما فيها، وكانت كتبهم بغير لسانه؛ دل أنه إنما عرف ذلك باللَّه تعالى؛ فذلك أبلغ في إثبات الرسالة والحجاج، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -، (أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ): قَالَ بَعْضُهُمْ: الإنذار يكون في كل مكروه مرهوب، والبشارة في كل محبوب مرغوب.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ) يعني: الكفار بالنار.
(وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ) ثم اختلفوا في قوله: (قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ): قَالَ بَعْضُهُمْ: إن لهم الجنة عند ربهم.
وقيل: إن لهم الأعمال الصالحة يقدمون عليها.