الأوقات، لكنه خص ذلك اليوم بالمرجع إليه لما أن الخلائق كلهم يعلمون يومئذ أنهم راجعون إليه؛ وكذلك قوله: (وَبَرَزُوا لِلََّهِ جَمِيعًا)، هم بارزون له في الدنيا والآخرة، لكنهم يومئذ يعرفون ويقرون بالبروز له.
وكذلك: (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ)، الملك لله في الدنيا والآخرة وفي الأوقات جميعا، لكنه خص ذلك اليوم لما لا يازع في الملك في ذلك اليوم، ويقرون بالملك له في ذلك اليوم، وفي الدنيا من قد نازع في ملكه.
هذا - واللَّه أعلم - وجه التخصيص لذلك اليوم بالملك، وإن كان الملك في الدارين جميعًا فعلى ذلك المرجع، أو سمى البعث رجوعا إليه؛ لما المقصود من إنشائه البعث، فسماه بذلك لما ذكرنا؛ لأنه لو لم يكن المقصود من إنشائه إياهم سوى الإنشاء والإفناء، كان خلقه اياهم عبثًا وباطلا؛ كقوله: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ). وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا).
يحتمل (وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا): البعث الذي ذكر أنه يبدأ الخلق ثم يعيده. ويحتمل (وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا) من الثواب والعقاب في الآخرة؛ الثواب للمحسن منهم والعقاب للمسيء.
وقوله: (إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) أي: عرفتم أنه هو الذي يراكم والخلق جميعًا، فكذلك هو يعيدكم بعد إفنائكم؛ إذ بدء الشيء على غير مثال أشد عندكم من إعادته على مثال؛ كقوله: (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْ) أي: إعادة الشيء أهون عندكم من بدئه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ).
قيل: بالعدل، لكن ما يجزيهم، إنما يجزيهم إفضالًا وإحسانا لا استيجابًا واستحقاقًا.
ثم يحتمل قوله: (بِالْقِسْطِ) وجوهًا:
أحدها: أنه يجزي المحسنين جزاء الإحسان، والمسيء جزاء الإساءة، ويفصل بين العدو والولي في الآخرة في الجزاء، ويجعل للولي علامة وأثرًا يعرف بهما من العدو؛ إذ لم يفصل في الدنيا بين الأولياء والأعداء في الرزق وما يساق إليهم من النعيم،