شفاعة عنده؛ إذ الشفيع يكون من له منزلة وقدر عند من يشفع له، والمنزلة تكون للعبيد بما يتعبدهم، فيقومون بتوفير ما يحتمل وسعهم من العبادة، فأما من لا يحتمل التعبد فهو بعيد عما ذكر يعني سبحانه أن يجعل الشفاعة لمن ذكر دون الأنبياء والرسل، وهم قد أخبروا أنها لا تملك ضرا ولا نفعًا، وفي الشفاعة ذلك.
والثاني: أن يكون عما أشركوا في العبادة، فسبحانه عن أن يكون معه معبود أو يأذن لأحد بعبادة غيره، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٩) اختلف فيه:
قَالَ بَعْضُهُمْ: قوله: (وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً) أي: أهل مكة كانوا كلهم أهل شرك عبَّاد الأصنام والأوثان، لم يكن فيهم اليهودية ولا النصرانية ولا شيء من اختلاف المذاهب، فلما بعث مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - اختلفوا: فمنهم من آمن به وصدقه وأخلص دينه لله، ومنهم من عاند وكابر في تكذيبه بعد أن عرف أنه رسول اللَّه ومنهم من شك فيه، ومنهم من لم ينظر في أمره قط ولا تفكر فيه؛ فصاروا أربع فرق.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: قوله: (وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً)، بالفطرة، أي: كانوا جميعًا على الفطرة، وفي فطرة كل أحد الشهادة على وحدانية اللَّه تعالى وألوهيته؛ كقوله: (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا)، وقوله: (فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا)، في خلقة كل أحد الشهادة لله بالوحدانية له والألوهية فاختلفوا: فمنهم من كان على تلك الفطرة، ومنهم من كذب واختار الكفر، وهو ما روي: " كل مولود يولد على الفطرة إلا أن أبويه يهودانه وينصرانه ".
أخبر أنهم على الفطرة لو تركوا على ذلك، لكنَّ أبويه يمنعانه عن الكون عليها.
وقيل: (وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً) أي: كان الخلائق جملة أمم؛ كقوله: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ)، كأنه يعاتب هذه الأمة يقول: إن الأمم مع اختلاف جواهرها وأجناسها كانوا خاضعين لله مخلصين له،