(وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ (٢٨)
قال أهل التأويل: يعني العابد والمعبود الذين عبدوا دونه، ولكن نحشر الخلائق جميعًا.
(ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ) هذا الحرف هو حرف وعيد؛ يقال: مكانك أنت، كذا وإن كان هذا الحرف يجوز أن يستعمل في الكرامات وبر بعضهم بعضا، ولكن إنما يعرف ذا من ذا بالمقدمات، فما تقدم هاهنا يدل أنه لم يرد به الكرامة، ولكن أراد به الوعيد، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ) قيل: فرقنا بينهم وميزنا بينهم، أي: بين العابد والمعبود.
ثم يحتمل التفريق بينهم وجوهًا:
أحدها: فرقنا بينهم في الحساب مما عمل ومما صحب.
والثاني: يحتمل فرقنا بينهم لما طمعوا بعبادتهم إياها والشفاعة أن يكونوا لهم شفعاء عند اللَّه، ففرق بينهم في الشفاعة. ويحتمل فرقنا بينهم فيما ضل عنهم ما كانوا يفترون، فصار ما عبدوا ترابا وهم في النار.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ): يحتمل قوله: شركاؤهم: سماهم شركاء وإن لم يكونوا أشركاء في الحقيقة، لما عندهم أنهم شركاء؛ كما سمى الأصنام آلهة لما عندهم أنها آلهة.
والثاني: (شُرَكَاؤُهُمْ) لما أشركوها في العبادة فهم شركاؤهم، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ): ينطق اللَّه تعالى يوم القيامة هذه الأصنام، وإن لم يكن في خلقتها النطق في الدنيا؛ كقوله: (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا) وقوله: (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ. . .) الآية، أنطقهم ليشهدوا عليهم.
وقوله: (مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ): يحتمل الملائكة أن يكونوا هم الذين أنكروا؛ لأن منهم من يعبد الملائكة، أنكروا أن يكونوا يعبدونهم؛ لأن العبادة لآخر إنما تكون عبادة إذا كان من المعبود أمر بها، وكانت عبادتهم الأصنام عبادة للشيطان لأنه هو الآمر لهم بالعبادة