وأقررتم أنه لا يملك ما ذكر سواه وعرفتم أن له السلطان والقدرة على ذلك أفلا تتقون، بوائقه ونقمته، أو يقول: أفلا تتقون عبادة غيره دونه، وإشراك غيره في ألوهيته وربوبيته، أو يقول: أفلا تتقون صرف شكره إلى غيره وقد أقررتم أنه هو المنعم عليكم بهذه النعم لا من تعبدون دونه.
أو يقول - واللَّه أعلم -: إذا عرفتم ذلك أفلا تتقون مخالفته وعصيانه، فإذا أقروا أن الذي يملك تدبير ما بين السماء والأرض هو الذي له السماوات والأرض عرفوا الذي يستحق العبادة والقيام بشكره، فإذا ضيعوا ذلك جمعهم على اسم الضلال؛ فذلك قوله: (فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ).
وقوله تعالى: (فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ ... (٣٢) أي: ذلكم الذي ذكر ربكم بالحجج والبراهين، فماذا بعد الحق الذي هو حق بالحجج والبراهين إلا الضلال؟! لأن ما لا حجج له ولا براهين فهو ضلال.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَأَنَّى تُصْرَفُونَ): عن عبادته إلى عبادة غيره، أو فأنى تصرفون عن شكر المنعم، إلى شكر غير المنعم. أو يقول: فأنى تعدلون من لا يملك ما ذكر بمن يملك، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (٣٣) حقت: وجبت، وقيل: كذلك حقت كلمة ربك على الذين ختموا بالفسق أنهم لا يؤمنون، أي: لا ينتفعون بإيمانهم بعد ذلك.
وقوله: (كَلِمَتُ رَبِّكَ) تحتمل وجهين: تحتمل كلمة ربك مواعيد ربك على الذين فسقوا أنهم لا يؤمنون فإن كان على هذا فهو في قوم علم اللَّه أنهم لا يؤمنون. ويحتمل كلمة ربك، حجج ربك وبراهينه على الذين فسقوا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٣٤) قال عامة أهل التأويل: ثم يعيده: البعث بعد الموت، أي: لا أحد من شركائكم الذين تعبدون يملك