أحدهما: ما كان هذا القرآن بالذي يحتمل الافتراء من دون اللَّه؛ لخروجه عن طوق البشر ووسعهم، فذلك بالذي يحيله كونه مفترى بجوهره.
والثاني: لما أودع فيه من الحكمة والصدق يدل على كونه من عند اللَّه؛ إذ كلام غيره يحتمل السفه والكذب ويحتمل الاختلاف.
(وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ) قيل فيه بيان الكتب التي نزلت قبله، وتمامه أن هذا وإن كان في اللفظ مختلفا فهو في الحكمة والصدق مبين موافق للأول. وقيل: (وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ) أي: تفصيل ما كتب لهم وما عليهم. أو أن يقال؟ إلى اللَّه تفصيل الكتب ليس إلى غير (لَا رَيْبَ فِيهِ) أنه من عند رب العالمين.
أو يقول: مفصل من اللوح المحعوظ.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٣٨) يقول: إن كان مُحَمَّد افتراه من عند نفسه، فأتوا أنتم بمثله؛ إذ لسانه ولسانكم واحد، فأنتم قد عرفتم بالفرية والكذب، ومُحَمَّد لم يعرف به قط، ولا أخذ عليه بكذب قط، فأنتم أولى أن تأتوا بسورة مثله.
(وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) اختلف فيه:
قَالَ بَعْضُهُمْ: ادعوا بآلهتكم التي تعبدونها؛ ليعينوكم على إتيان مثله.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ) أي: بمن لسانه مثل لسانكم؛ ليعينوكم على ذلك.
أو يقول: استعينوا بدراسة الكتب؛ ليعينوكم على مثله إن كنتم صادقين أن محمدًا افتراه من نفسه؛ فدل ترك اشتغالهم بذلك على أنهم قد عرفوا أنه ليس بمفترى، وأنه سماوي. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (٣٩)
قَالَ بَعْضُهُمْ: ما لم يحفظوا نظمه، ولا لفظه، ولا نظروا فيه، ولا تدبروا؛ ليعلموا معناه، بل كذبوه بالبديهة، والشيء إنما يعرف كذبه وصدقه بالنظر فيه والتفكر والتدبر، لا بالبديهة، فذلك - واللَّه أعلم - تأويل قوله: (بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ).
الثاني: (بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ) كذبوا على علم منهم أنهم كذبة فيما يقولون، ويتقولون: إنه مفترى ليس بمنزل (وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ)، أي: ولما يأتهم العلم بتأويله، أي: بتأويل القرآن.