وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (٥٩)
يحتمل (مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ)، أضاف إنزاله إلى السماء، وإن كانت الأرزاق إنما تخرج من الأرض لما كانت أسبابها متعلقة بالسماء، يكون نضج الأنزال وينع الأعناب وإصلاح الأشياء كلها أعني أسباب الأرزاق من نحو المطر الذي به تنبت الأرض النبات وبه يخرج جميع أنواع الخارج مما يكون فيه غذاء البشر والدواب، ومن نحو الشمس التي ينضج بها الأنزال وبها تينع الأعناب وجميع الفواكه ونحوه أضاف ذلك إلى السماء لما ذكرنا.
وكذلك قوله: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) أي: أسباب ذلك في السماء؛ لا أن عين ذلك في السماء.
ويحتمل قوله: (مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ) أي: ما خلق اللَّه لكم؛ وكذلك جميع ما يضاف إلى اللَّه إنما يضاف إليه بحق الخلق أي خلقه منزلا؛ كقوله: (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ)، ونحو ذلك، أي: خلق لكم مما ذكر، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا): قَالَ بَعْضُهُمْ: ما حرموا من البحيرة والسائبة والوصيلة وما ذكر في سورة الأنعام والمائدة.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: ما حرموا الآلهة التي كانوا عبدوها، أي: جعلوها للأصنام وهو ما ذكر في الأنعام، وهو قوله: (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا. . .) الآية. نحو ما ذكرنا في الآية، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ) أي: اللَّه أذن لكم في تحريم ما حرمتم وتحليل ما أحللتم أم على اللَّه تفترون: بل على اللَّه تفترون، وذلك أن هذه السورة نزلت في محاجة أهل مكة وهم لم يكونوا مؤمنين بالرسل والكتب، وإنما يوصل إلى معرفة المحرم والمحلل بالرسل والكتب والخبر عن اللَّه، وهم لم يكونوا