في اتباعهم دون اللَّه؛ إذ سبيل معرفة ذلك الكتاب أو الرسول ولم يكن لهم واحد من ذلك، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (٦٧) يبصر فيه، وقال في آية أخرى: (وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ)، يعني: في الليل (وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) يعني: في النهار، فهو في موضع الامتنان وتذكير النعم، ليتأدى بذلك شكر ما أنعم عليه.
وفيه أن الليل والنهار يجريان على التدبير والتقدير؛ لأنهما لو كانا يجريان على غير تدبير ولا تقدير لكانا لا يجريان على تقدير واحد ولا سنن واحد، ولكن يدخل فيهما الزيادة والنقصان ولا يجريان على تقدير واحد، وإن كان يدخل بعضه في بعض، فدل جريانهما على تقدير واحد أنهما يجريان على تدبير آخر فيهما؛ إذ لو كان على غير تدبير يجريان على الجزاف على الزيادة والنقصان وعلى القلة والكثرة.
وفيه أيضًا أن مدبرهما واحد؛ لأنه لو كان مدبرهما عددا لكان إذا غلب أحدهما الآخر دام غلبته، ولا يصير الغالب مغلوبًا والمغلوب غالبًا، فإذا صار ذلك ما ذكرنا دل أن مدبرهما واحد لا عدد.
وفيه دلالة البعث بعد الموت؛ لأن كل واحد منهما إذا جاء أتلف صاحبه تلفا حتى لا يبقى له أثر ولا شيء منه، ثم يكون مثله حتى لا يختلف الذاهب والحادث ولا الأول من الثاني، فدل أن الذي قدر على إنشاء ليل قد ذهب أثره وأصله لقادر على البعث، ومن قدر على إحداث نهار وقد فني وهلك لقادر على إحداث ما ذكرنا من الموت.
وفيه أن الشيء إذا كان وجوبه لشيئين لم يجب إذا عدم أحدهما؛ لأنه قال: (وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا) وإنَّمَا يبصر بنور البصر ونور النهار جميعًا؛ لأنه إذا فات أحد النورين لم يبصر شيء من النور نور البصر أو نور النهار، دل أن الحكم إذا وجب بشرطين لا يوجد إلا باجتماعهما جميعًا، والميل يستر وجوه الأشياء لا أنه لا يرى نفسه، والنهار يكشف وجوه الأشياء، وفي لليل فيما يستر وجوه الأشياء دلالة أن الحكم إذا كان وجوبه بشرطين يجوز منعه بعلة واحدة؛ لأنه يستر نور النهار ونور البصر جميعًا.