ثانيًا: معرفة التراث واستيعابه استيعابًا يسمح بمعرفة مواطن القوة، فيؤخذ بها، ومواطن النقص لتفاديها.
ثالثًا: الاطلاع على العلوم والمناهج المعاصرة، شريطة ألا يكتفى من هذه العلوم بالمعرفة السطحية العابرة، بل استيعابها استيعابًا كاملاً، وشريطة إتقان الدربة في استخدام هذه الآليات وتوظيفها التوظيف السليم، ولا يقع المجدد فيما وقعت فيه تلك الفئة التي عناها الدكتور طه عبد الرحمن بقوله:
" إنها لم تبرهن على تحصيل الدربة في استخدام الآليات العقلانية المنقولة من مفاهيم مصطنعة وقواعد مقررة ومناهج متبعة ونظريات مسطرة، فضلاً عن أن تبرهن على الإحاطة بتمام تقنياتها وبكمال وجوه إجرائياتها ".
وأخيرا أود القول: إننا لا ندعو إلى نبذ مناهج بعينها في تفسير القرآن الكريم، بل ندعو إلى تكامل المناهج، فنأخذ وندع من كل المناهج سواء أكانت قديمة أو حديثة، بشرط ألا ندع المسلمات جانبًا، وألا يؤثر ما نأخذه من منهج في توجيه المعنى القرآني وجهة تناقض مراد اللَّه المقصود.
نماذج من تفسير المدرسة الفكرية المعاصرة في تفسير القرآن الكريم:
لعلنا نورد بعض النماذج من تفسير أعلام المدرسة الفكرية المعاصرة لبعض آيات القرآن الكريم تبرز مدى تجاوز هَؤُلَاءِ القوم في تفسيراتهم، وأنها لا تقوم على أساس متين أو منهج قويم.
ومن تلك النماذج ما جاء في تفريق أبي القاسم حاج حمد بين اللمس والمس، وبين الرؤية والنظر والشهود.
فبالنسبة للتفريق بين اللمس والمس: يرى أبو القاسم حاج حمد أن " لمس " تعني قرآنيًّا التناول باليد أو الاحتكاك العضوي والحسي، و " مسَّ " تعني التفاعل العقلي والوجداني؛ لذلك لم يمنع اللَّه لمس المصحف فهو للبشر أجمعين وكيفما كانت حالاتهم، فلهم أن يتناولوه. أما مس القرآن بما يعني التفاعل مع مكوناته وأعماقه فيتطلب حالة من الاستعداد (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (٧٧) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (٧٨) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (٧٩).
وهذا الفهم بعيد عن الصواب كل البعد؛ إذ إن استقراء آيات القرآن الكريم تؤكد أن