عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا. . .) الآية، ومعلوم أنه في وقت ما خوطب به لم يكن أبواه أحياء دل أنه أراد به غيره؛ فعلى ذلك الأول.
ومن قال: الخطاب والمراد به من غير رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يقول: إن الوفود من الكفرة كانوا يتقدمون رسول اللَّه فيسألونه شيئًا فشيئًا فيخاطب الذي يتقدم، وكان يحضره الوحدان والجماعة يقول: (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ).
وقوله: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ) على هذا التأويل هو منزل إليه؛ إذ كل منزل على رسول الله منزل عليه وإليه وإلى كل أحد كقوله: (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) أمرهم باتباع ما أنزل إليهم دل أن كل منزل على رسول اللَّه منزل عليهم.
ومن قال: الخطاب والمراد به رسول اللَّه قال لما لا يحتمل أن يكون رسول اللَّه يشك في شيء مما أنزل إليه، ولكنه يريد به التقرير عنده لقول الكفار إن الذي يلقي على محمد شيطان فيريد به التقرير عنده، أو يخاطب به كل شاك؛ كقوله: (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (٦) الَّذِي)، هو يخاطب إنسانًا واحدًا، ولكن المراد به كل إنسان مغرور وكل كافر، وذلك جائز في القرآن كثير أن يخاطب به كلا في نفسه.
ومن قال: خاطب به رسوله وأراد هو -أيضًا- وهو كان في الابتداء على غير يقين أنه يوحى إليه أو لا؛ كقوله: (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ)، وقوله: (مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ)، فقال: (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ) الأنباء التي أخبرتهم وأنبأتهم وادعيت أنها أوحيت إليك ليخبروك على ما أخبرتهم.
وقوله: (فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ) قَالَ بَعْضُهُمْ: فاسأل الذين يقرءون الكتاب يعني من آمن منهم.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: سل أهل الكتاب منهم يخبرونك؛ لأنه مكتوب عندهم؛ كقوله: قوله تعالى: (يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ. . .) الآية.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) قيل: الحق القرآن جاء من ربك، وقيل: جاء البيان أنه من عند اللَّه.