إيمانهم، وذلك فيما يحل له الترك، وذلك ما قيل من نحو سب آلهتهم وذكر العيب فيها، ويحل له ترك سب آلهتهم وشتمها. وكذلك يخرج قوله: (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ) على هذين الوجهين، على المنع ألا يحمل على نفسه إشفاقًا على أنفسهم ألا يؤمنوا ما يوجب تلفه.
والثاني: على التخفيف؛ كقوله: (وَلَا تَحزَن عَليهِم. . .) الآية، وقوله: (وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي)، هو على التخفيف ليس على النهي.
وفي قوله: (فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ. . .) الآية وجه آخر: وهو نهي يخرج مخرج البشارة له بما، كان يخاف من ضيق صدره واشتغال قلبه عند سوء معاملتهم إياه، فيقع له فيه تأخير في إبلاغ ما أمر بتبليغه فأمنه اللَّه عن ذلك وعصمه.
والوجه الثاني: في النهي عن ذلك هو ما يقع له فيه الرجاء، وذلك أن الأخيار إذا ابتلوا بالأشرار قد يؤذن لهم بمفارقتهم وترك الأمر فيهم، فلعله كان يقع له في مثله الرجاء أنه قد يؤذن له، في حال من الأحوال بتأخير التبليغ، فأيئسه عن ذلك وكلفه بتبليغ ما أمر له في جميع أحواله و (بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ) يحتمل ما ذكر أهل التأويل من سب آلهتهم وعيبها وما تدعو إليه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ (وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ): يضيق صدره بما يقولون له استهزاء، وكذلك الحق أن كل من استهزئ به أن يضيق صدره لما لا يقدر على إتيان ما طلبوا منه من الكنز وإنزال الملك، وقد وعدوا أن يؤمنوا لو فعل، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ): لأن للكنز والملك محلا في قلوب أُولَئِكَ وقدرا فقالوا: لولا أنزل عليه كنز فيعظموه فيصدق على ما يدعي، وكذلك الملك له محل عظيم عندهم إذا كان معه عظموه وصدقوه.
وقوله: (إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ) أثر قولهم: لولا أنزل عليه كنز، أو جاء معه ملك أي: إنما أنت نذير ليس عليك إتيان ما سألوا، إنما ذلك تحكم منهم على اللَّه تعالى وأماني، فعليك إبلاغ ما أنزل إليك؛ كقوله: (إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ).
(وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) أي: حفيظ لكل ما يقولون فيك ويتفوهون به، أو هو الوكيل والحفيظ لا أنت؛ كقوله: (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ)، وقوله: (وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ)، ونحوه، واللَّه أعلم.