وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (٦٦) أي: جاء ما أمر به كما يقال: جاء وعد ربنا، أي: جاء موعود ربنا؛ لأن وعده وأمره لا يجيء، ولكن جاء ما أمر به ووعد به وهو العذاب، أو نقول: جاء أي أتى وقت وقوع ما أمر به ووعد، وهو العذاب الذي وعد وأمر به، واللَّه أعلم.
(نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا): بنعمة منا أو بفضل منا، وقد ذكرنا هذا فيما تقدم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ) قيل: الخزي هو العذاب الذي يفضحهم، وقيل: كل عذاب فهو خزي، أي: نجاهم من خزي ذلك اليوم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ) قيل: القوي: هو الذي لا يعجزه شيء، والعزيز هو الذي يذل من دونه، وقيل: القوي هو المنتقم المنتصر لأوليائه من أعدائه، والعزيز: هو المنيع في ملكه وسلطانه الذي لا يعجزه شيء.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (٦٧) قيل: عذابهم كان صيحة صاح بهم جبريل، وقيل: الصيحة الصاعقة وكل عذاب فهو صيحة، لكن لا ندري كيف كان، أو أن يكون عذابهم قدر صيحة لسرعة وقوعه بهم، أو يسمى ذلك العذاب صيحة لما رأوه ما يصيحون فيما بينهم أو ما ذكرنا.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ): قال هاهنا: ديارهم، وقال في سُورَةِ الأعراف: دارهم، والقصة واحدة. قَالَ بَعْضُهُمْ: دارهم قراهم، وديارهم منازلهم، ولكن هو واحد أصبحوا جاثمين في دارهم ومنازلهم سواءٌ.
وقوله: (جَاثِمِينَ) قيل: خامدين موتى وأصل قوله: (جَاثِمِينَ) أي: منكبين على وجوههم، يقال: جثم الطائر إذا انكب على وجهه مخافة الصيد، وقد ذكرناه فيما تقدم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِثَمُودَ (٦٨) قيل: كان لم يعيشوا فيها، وقيل: كان لم يسكنوا فيها، وقيل: كأن لم يعمروا فيها، وأصله أنهم صاروا كان لم يكونوا فيها لما لا يذكرون يعد هلاكهم، فصاروا من حيث لا يذكرون كان لم يكونوا، وأما الأخيار والأبرار فإنهم وأن ماتت أبدانهم وصارت كان لم تكن ففي الذكر كأنهم أحياء حيث يذكرون بعد موتهم.