وما ذكر من ظلمهم أنفسهم يحتمل وجوهًا:
أحدها: ظلموا أنفسهم بعبادتهم غير اللَّه.
والثاني: ظلموا أنفسهم بصرفهم الناس وصدهم عن سبيل اللَّه وعن عبادة اللَّه وتوحيده إلى عبادة غير اللَّه.
والثالث: ظلموا أنفسهم بسؤالهم العذاب.
وقوله: (فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ) في هذا وجهان:
أحدهما: ما أغنت عنهم عبادة آلهتهم التي عبدوها من دون اللَّه لما جاء أمر ربّك؛ أي: عذاب ربك؛ كقولهم: (مَا نَعْبُدُهُمْ. . .) الآية، يخبر أن عبادتهم الأصنام لا تنفعهم المنفعة التي طمعوا.
والثاني: فما أغنت عنهم أنفس آلهتهم في دفع العذاب عنهم في أحوج حال إليها؛ لعجزهم في أنفسهم وضعفهم؛ كقولهم: (هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ) فإذا لم يملكوا ذلك في وقت الحاجة إليهم فكيف يملكونه في غيره من الحال، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ) يحتمل: ما زاد عبادتهم إياها غير تتبيب، أو ما زاد آلهتهم التي عبدوها غير تتبيب.
والتتبيب: قال عامة أهل التأويل: هو التخسير.
وقال أَبُو عَوْسَجَةَ: غير تتبيب: غير فساد، والتتبيب: الفساد.
وكذلك قال في قوله: (وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ) أي: فساد.
وقال غيره: إلا في خسار وقال غيره: غير تخسير.
وكذلك قالوا في قوله: (تَبتْ)، أي: خسرت.
وقال أبو عبيدة: غير تتبيب: غير تدبير وإهلاك.
وكذلك قالوا في قوله: (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ) وكذلك قالوا في قول الناس: تبًّا لك.