أحدهما: (فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ) أي: فهلا كانوا ذوي بقية (يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ) معناه - واللَّه أعلم -: هلا كثر أهل الإسلام فيهم حتى قدروا على النهي عن الفساد في الأرض؛ لأنهم إذا كانوا قليلا لم يقدروا على النهي عن الفساد في الأرض؛ نحو لوط وأهله، كانوا عددًا قليلا كيف كان يقدر على النهي عن الفساد، أو المنع عن ذلك، وكنوح -أيضًا- كان معه نفر يقل عددهم، لم يقدروا على منع قومه عن الفساد ونحوه.
فإذا كان ما ذكرناه فكأنه - واللَّه أعلم - يقول: هلا كثر أهل الإسلام وأولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض.
والثاني: (فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ) أي: قد كان منهم أولو بقية، لكنهم لم ينهوا عن الفساد في الأرض، فأهلكوا جميعًا إلا قليلا ممن أنجينا منهم، وذلك القليل قد نهوا عن الفساد في الأرض، فنجوا بين أُولَئِكَ.
حاصل هذا يخرج على هذين الوجهين اللذين ذكرناهما:
أحدهما: لم يكن منهم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض؛ على ما قاله بعض أهل التأويل.
والثاني: كان فيهم أولو بقية، لكنهم لم ينهوهم عن الفساد في الأرض إلا قليلا منهم فإنهم قد نهوهم عن ذلك، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ) هو يخرج على وجهين: يحتمل: واتبع: الأتباع والسفلة الذين ظلموا من أترفوا فيه من الأموال أي: وسع عليهم وأعطوا الأموال وهم الأجلة والأئمة منهم أي: آثروا اتباع الأئمة والأجلة الذين أترفوا فيه على اتباع الرسل والأنبياء.
والثاني: (وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا) وهم الأجلة والأئمة (مَا أُتْرِفُوا فِيهِ) أي: ما أعطوا من الأموال أي: آثروا الدنيا وما فيها على اتباع الرسل والأنبياء.
أحد التأويلين يرجع إلى السفلة والأتباع، وهو الأول، والثاني إلى الأجلة والأئمة هم آثروا اتباع الدنيا على اتباع الرسل، ثم تبعهم الأتباع والسفلة في ذلك، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (١١٧) أي: ما كان ربك ليهلك القرى إهلاك استئصال وانتقام وأهلها كلهم مصلحون، أو أكثر أهلها