بشارة الملك له والعز.
ثم قوله: (وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ).
قَالَ بَعْضُهُمْ: هو قول يوسف حيث قال لهم: (هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ. . .) الآية، (قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي)، هذا الذي نبأهم يوسف وهم لا يشعرون بذلك.
ويشبه أن يكون قوله: (وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ) أي: إلى يعقوب (لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ)، ويكون قوله: (وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) هو ما قال لهم: (يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ. . .) الآية، أمرهم أن يطلبوه ويتحسسوا من أمره؛ كأنه علم أنه حي؛ كقوله:، (وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) أنه حي؛ ألا ترى أنه قال: (إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ)، ولهذا قال حين ألقى الثوب على وجهه فارتد بصيرًا: (إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) وذلك تأويل قوله: (وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ) إن كانت الآية في يعقوب، وإن كانت في يوسف فهو ما ذكرنا، واللَّه أعلم بذلك.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ (١٦)
في الآية دلائل:
أحدها: أن من ارتكب صغيرة فإنه يخاف عليه التعذيب، ولا يصير كافرًا، ومن ارتكب كبيرة لم يخرج من الإيمان؛ لأن إخوة يوسف هموا بقتل يوسف، أو طرحه في الجب، والتغييب عن وجه أبيه، وإخلائه عنه، وذلك لا يخلو منهم: إما أن تكون صغيرة أو كبيرة:
فإن كانت صغيرة فقد استغفروا عليها بقولهم: (قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا. . .) الآية؛ دل أنهم إنما استغفروا لما خافوا العذاب عليها.
وإِن كانت كبيرة فلم يخرجوا من الإيمان؛ حيث صاروا أنبياء من بعد وصاروا قومًا صالحين؛ حيث قالوا: (وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ).
دل ما ذكرنا على نقض قول المعتزلة في صاحب الصغيرة أن لا تعذيب عليه، وصاحب الكبيرة أنه خرج من الإيمان، ونقض قول الخوارج في قولهم: إنه إذا ارتكب كبيرة أو صغيرة صار به كافرًا مشركًا.