سرايا المسلمين من شيء أتوه به، فمن حبس منه إبرة أو سلكًا فهو غلول، فسألوا رسول اللَّه أن يعطيهم منها، فقال: (قُلِ الأَنفَالُ لِلََّهِ وَالرَّسُولِ) ليس لكم فيها شيء ".
ففي النص السابق ينقل عن الصحابة وينقل عن التابعين، ولكنه لا يقف عند حدود النقل بل يذكر الاحتمالات والوجوه التي يراها في الآية، وهي وجوه عقلية في جملتها، سوف نعرض لها بعد قليل.
وإنما الذي يعنينا هنا -بعد العرض السابق- أن نؤكد على أن التفسير بالمأثور يمثل جزءًا من تفسير الماتريدي في تأويلاته، وأن الماتريدي يقف موقف الذي يقبل الاعتماد على المأثور في التفسير.
ثانيًا: موقف الماتريدي من التفسير بالمعقول:
يعتمد الماتريدي على العقل كثيرًا في تفسيره، ولعل مرجع ذلك إلى أن الماتريدي -في مجمله- تابع للمدرسة العراقية، أو مدرسة الرأي التي أسسها الصحابي الجليل عبد اللَّه بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وقاد لواءها من بعده أعلام أفذاذ، من أبرزهم أبو حنيفة النعمان وتلميذاه أبو يوسف ومُحَمَّد الذين أثروا الحياة الفكرية والعلمية في الحضارة الإسلامية.
ولأن الماتريدي تلميذ لتلك المدرسة، بل رائد من روادها فقد اصطبغ بصبغة هذه المدرسة، لكنه لم يكن مجرد تابع أو مقلد، بل كان ذا سمات خاصة، مجددًا مبتدعًا، وسنعرف ذلك في فصل تالٍ إن شاء اللَّه تعالى.
والذي يدل على عقلانية الماتريدي أمور:
أ - ذكر الاحتمالات المتعددة في تأويل الآيات:
يذكر الماتريدي في كل آية يتناولها الأوجه الممكنة والمحتملة في تفسيرها، والأمثلة أكثر من أن تحصى في هذا الشأن، نذكر منها نموذجًا واحدًا.
فعند تفسيره لقول اللَّه تعالى: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ)، يقف عند قوله تعالى: (ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) يقلب العبارة القرآنية على وجوهها المحتملة، فيقول: (ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) دلالة على أنه لم يقبل ما سمع وعرض عليه؛ إذ لو قبل، لكان يكون مأمنه هذه الدار، لا تلك الدار، ولكان يحق عليه الخروج