وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ (٦١)
هذا الكلام في الظاهر ليس هو جواب قول يوسف؛ حيث قال: (ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ) وجوابه أن يقولوا له: نأتي به أو لا نأتي، فأما أن يجعل قولهم: (سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ (وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ) جوابا له؛ فلا يحتمل مع ما أن في قلوبهم سنراود عنه اضطراب؛ يملكون أو لا يملكون.
قولهم: (وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ).
على القطع؛ لكن يشبه أن يخرج على وجهين:
أحدهما: على الإضمار؛ سنراود عنه أباه فإن أذن له وإنا لفاعلون ذلك.
أو على التقديم والتأخير يكون جواب قوله: (ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ) في قولهم: (وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ) كأنه لما قال لهم يوسف: ائتوني بأخ لكم من أبيكم قالوا إنا لفاعلون، ثم قالوا فيما بينهم: سنراود عنه أباه.
على هذين الوجهين يشبه أن يخرج واللَّه أعلم.
وقوله: (سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ).
قال أَبُو عَوْسَجَةَ: المراودة: الممارسة، وهي شبه المخادعة، وهي المعالجة. وقيل: سنراود: أي سنجهد وسنطلب.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٦٢)
لفتيته.
الفتية: الخدم؛ والفتيان: المما ليك.
(اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ).
قيل: اجعلوا دراهمهم في أوعيتهم، فيه دلالة أن الهبة قد تصح - وإن لم يصرح بها - إذا وقع في يدي الموهوب له وقبضه - وإن لم يعلم هو بذلك - وقتما جعل له؛ لأن يوسف جعل بضاعتهم في رحالهم؛ هبة لهم منه؛ وهم لم يعلموا بذلك، وهو وقتما جعل ذلك لهم، مِلك ليوسف؛ ولهذا قال أصحابنا: إن من وضع ماله في طريق من طرق المسلمين؛ ليكون ذلك ملكًا لمن رفعه كان ما فعل. واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ).