لأنه في الظلمة، والمؤمن كالبصير؛ لأن معه الدلائل والحجج.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ).
أي: بل جعلوا لله شركاء في العبادة؛ بعد ما علموا أنهم لا يملكون لهم نفعًا إن عبدوها ولا ضرًّا إن تركوا العبادة لها.
وقوله: (خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ).
أي: خلق هَؤُلَاءِ الأصنام؛ التي عبدوها وأشركوها في ألوهيته؛ كخلق اللَّه؛ فتشابه عليهم خلقه من خلق الأصنام؛ أي: عرفوا أنها لم تخلق شيئًا كما خلق اللَّه؛ فكيف أشركوا هذه الأصنام في عبادة اللَّه وألوهيته؛ وهم كأنهم قد أقروا أن اللَّه هو خالق كل شيء.
وهذا ينقض على المعتزلة قولهم؛ حيث قالوا: إن اللَّه لم يخلق أفعال العباد ولا يقدر على خلقها؛ فإذا كان اللَّه لم يخلقها؛ فهم خلقوها - على زعمهم - فيكون موضع تشابه الخلق عليهم - على قولهم - فيدل على بطلان قولهم وفساد مذهبهم. والله الموفق.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) في السماوات والأرض (وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ).
أي: كل شيء دونه تحت قدرته وقهره وسلطانه، والأصنام التي تعبدونها مقهورة مغلوبة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا. . . (١٧)، إلى آخر ما ذكر من الأمثال؛ إلى قوله (كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ).
قال بعض أهل التأويل: هذا مثل ضربه اللَّه لليقين والشك؛ فاحتملت منه القلوب على قدر يقينها وشكها: فأما الشك فلا ينفع منه عمل، وأما اليقين فينفع اللَّه به أهله، وهو قوله: (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً) أوهو الشك، (وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) وهو اليقين، وكما يجعل الحلي في النار فيؤخذ خالصه ويترك خبيثه في النار؛ كذلك يقبل الله اليقين ويترك الشك؛ وهو قول ابن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.