ويحتمل: عهد اللَّه ما جرى على ألسن الرسل، وقد ذكرنا هذا فيما تقدم؛ وهو ما ذكر في آية أخرى: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ. . .) الآية، (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) الآية. (وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ).
العهد والميثاق واحد، وسمى العهد ميثاقا؛ لأنه يوثق المرء، ويمنعه عن الاشتغال بغيره. واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (٢١)
الصلات التي أمر اللَّه بها
أن توصل على جهات ومراتب: أما ما بينه وبين المؤمنين: ألَّا يحب لهم إلا ما يحب ولا يصحبهم إلا بما يحب هو أن يصحب، وأما فيما بينه وبين محارمه: أن يؤوي ويحفظ الحقوق التي جعل اللَّه لبعضهم على بعض؛ ولا يضيعها. وأما فيما بينه وبين الرسل: فهو أن من حقهم أن يوصل الإيمان بالنبيين جميعًا؛ والكتب كلها.
هذا واللَّه أعلم الصلة التي أمر اللَّه أن يوصل بها.
(وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) إما في التقصير فيما أمر أن يوصل، وإما بالتفريط في ذلك، وترك الصلة.
(وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ)
أي: شدة الحساب؛ حين لم تنفعهم حسناتهم؛ ولا يتجاوز عن شيء من سيئاتهم؛ فذلك يسوءهم. واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَالَّذِينَ صَبَرُوا ... (٢٢) قد ذكرنا فيما تقدم أن الصبر: هو كف النفس وحبسها عما تهواه؛ على ما تكره ويثقل عليها.
ثم يحتمل كفها وحبسها عن الجذع في المصائب، وعلى أداء ما افترض اللَّه عليهم وأمرهم بها، أو كفوا أنفسهم وحبسوها عن المعاصي، يكون الصبر على الوجوه الثلاثة التي ذكرنا. واللَّه أعلم.