الدنيا؛ فقال: هو الباسط لذلك؛ والقاتر لا أُولَئِكَ، هو يوسع على من يشاء، ويقتر على من يشاء؛ ليس ذلك إلى الخلق، وذكر أنه يبسط الرزق لمن يشاء من أوليائه وأعدائه، ويقتر على من يشاء من أعدائه وأوليائه، ليعلموا أن التوسيع في الدنيا والبسط لا يدل على الولاية، ولا التقتير والتضييق على العداوة، ليس كما يكون في الشاهد؛ يوسع على الأولياء ويبسط، ويضيق على الأعداء؛ لأن التوسيع في الدنيا والتضييق بحق المحنة وفي الآخرة، بحق الجزاء، ويستوي في المحنة الولي والعدو، ويجمع بينهما في المحنة؛ ويفرق بينهما في الجزاء.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا).
يحتمل قوله: (وَفَرِحُوا) صلة ما تقدم؛ وهو قوله: (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ. . .) إلى قوله: (وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ)، ويفرحون بالحياة الدنيا.
ثم الفرح يحتمل وجوهًا:
يحتمل: فرحوا بالحياة الدنيا؛ أي: رضوا بها؛ كقوله: (وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا) أي: فرحوا، سرورًا بها.
فَإِنْ قِيلَ: إن المؤمن قد يسر بالحياة الدنيا؟
قيل: يُسَرُّ ولكن لا يُلْهيه سروره بها؛ ولا يغفل عن الآخرة، وأما الكافر: فإنه لشدة سروره بها وفرحه عليها؛ يلهي عن الآخرة؛ وعن جميع الطاعات. وهكذا العرف في الناس أنه إذا اشتد بالمرء السرور بالشيء؛ فإنه يلهي عن غيره ويغفل عنه.
أو يكون قوله: (وَفَرِحُوا) أي: أشروا وبطروا؛ كقوله تعالى: (إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ)، وهو الأشر والبطر. واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ).
تأويله - واللَّه أعلم - أي: ما الحياة الدنيا - مع طول تمتعهم بها بتمتع الآخرة - إلا كمتاع ساعة أو كمتاع شيء يسير؛ وهو كقوله: (لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا) وكقوله: (لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ)، يظنون - مع طول