احكم بالعذاب الذي حكمت عليهم.
ويحتمل قوله: (لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ) أي: لا يتعقب أحد حكمه؛ ولا يعقب أحد سلطانه؛ كما يكون في حكم الخلائق يتعقب بعض عن بعض، وكما ذكر في الحفظة: (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ)، يتعقب بعض عن بعض في الحفظ؛ وفيما سلطوا. واللَّه أعلم.
(وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) هذا قد ذكرناه في غير موضع.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (٤٢)
أي: مكر الذين من قبلهم برسلهم؛ كمكر هَؤُلَاءِ بك يصبر رسوله على أذاهم به.
ثم يحتمل المكر به وجهين:
أحدهما: مكروا بنفسه؛ هموا قتله وإهلاكه.
والثاني: مكروا بدينه الذي دعاهم إليه وأراد إظهاره؛ هموا هم إطفاء ذلك وإبطاله وكذلك مكر الذين من قبلهم برسلهم يخرج على هذا. واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا).
هذا أيضًا يخرج على وجهين:
أحدهما: يقول: فلله جزاء المكر جميعًا؛ يجزى كلا بمكره.
والثاني: أي: لله حقيقة المكر يأخذهم جميعًا بالحق من حيث لا يشعرون، وأما هم فإنما يأخذون ما يأخذون لا بالحق ولكن بالباطل، ولا يقدرون على الأخذ من حيث لا يشعرون إلا قليلا من ذلك، فحقيقة المكر الذي هو مكر بالحق في الحقيقة لله لا لهم.
ْويحتمل قوله: (فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا) أي: لله تدبير الأمر جميعًا، إن شاء أمضاه؛ وإن شاء منعه، إليه ذلك لا إليهم.
أو لله حقيقة المكر يغلب مكره مكر أُولَئِكَ.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ) من خير أو شر.
(وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ).
يشبه أن يكون عقبى الدار معروفًا عندهم؛ وهي الجنة، فيكون صلة قولهم: (لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى)، فيقول - واللَّه أعلم - سيعلمون هم لمن عقبى الدار؛ أهي لهم أم هي للمؤمنين؟
أو أن يكون جواب قوله: (وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا).