حيث قال: " اختلف فيه:
قال الحسن وأبو بكر الأصم: إنه خاطب بقوله: (وَمَا يشُعِركُمْ) وأهل القسم الذين أقسموا باللَّه جهد أيمانهم (لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا)، فقال: (وَمَا يشُعِركُمْ) أي: ما يدريكم أنكم تؤمنون إذا جاءتكم آية، ثم استأنف، فقال: (إِنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ). . . وهكذا كان يقرؤه الحسن بالخفض: (إِنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ) على الاستئناف والابتداء.
وقال غيرهم من أهل التأويل: الخطاب لأصحاب رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وذلك أنهم لما قالوا: (لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا) ظنوا أنهم لما أقسموا باللَّه جهد أيمانهم أنهم يؤمنون إذا جاءتهم آية: يفعلون ذلك ويؤمنون على ما يقولون؛ فقال لهم: (وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ) على طرح " لا "، أي: ما يدريكم أنها إذا جاءت يؤمنون. وهكذا كأنه أقرب.
ويحتمل وجهًا آخر: وهو أن أهل الإسلام قالوا: إنهم وإن جاءتهم آية لا يؤمنون، فقال عند ذلك: (وَمَا يشعِركُمْ) وخاطبا به هَؤُلَاءِ (أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ).
والثاني: أنهم وإن آمنوا بها إذا جاءت، فنقلب أفئدتهم من بعد ".
وعلى كل حال فما نقله الماتريدي عن أهل التأويل أو أهل التفسير، فإنه لم يقف -في الجملة- حياله عاجزًا، بل حاور سابقيه، ورد أقوالهم ونقدها وفندها أحيانًا، وزاد عليها أحيانًا أخرى.
خامسًا: علم الكلام:
سبق أن بينا أن للماتريدي مذهبًا اعتقاديًا ينصر فيه اعتقاد أهل السنة والجماعة، وبينا بشيء من التفصيل الفارق بين مذهبه والمذاهب الأخرى، وبخاصة الأشعرية.
وتفسير الماتريدي لا يخلو من آراء كلامية، سواء صرح بذكر قائليها أو لم يصرح، ولعلنا نعرض لبعض النماذج التي تؤيد ما نقول.
يقول الماتريدي عند تفسير قول اللَّه تعالى: (وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ)
" الحياة حياتان: مكتسبة: وهي الحياة التي تكتسب بالهدى والطاعات، وحياة منشأة: وهي حياة الأجسام، فالكافر له حياة الجسد وليس له حياة مكتسبة، وأما المؤمن فله الحياتان جميعاً؛ المكتسبة والمنشأة، فيسمي كلًّا بالأسماء التي اكتسبها، فالمؤمن اكتسب أفعالاً طيبة فسماه بذلك، والكافر اكتسب أفعالاً قبيحة، فسماه بذلك ".