فيه دلالة نقض قول المعتزلة؛ لأنهم يقولون: إن اللَّه لا يختص أحدًا بالرسالة؛ إلا من كان منه ما يستحق به الرسالة؛ وهم صلوات اللَّه عليهم؛ لم يذكروا سوى منة اللَّه عليهم، دل أنه يمن عليهم ويختصهم؛ لا بشيء من الاستحقاق ويكون منهم من الأعمال؛ ولكن بالمنة والفضل منه عليهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ).
هو ما ذكرنا: الإذن موضوعه الإباحة، هو مقابل الحجر؛ لكن الإذن المذكور في القرآن ليس كله على وجه واحد؛ ولكن يتجه في كل موضع ويحتمل على ما يليق به، قال اللَّه تعالى: (فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ)، أي: بنصر اللَّه؛ لأن الهزيمة هي موضع النصر؛ تحمل عليه، وتال: (وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ) أي: بإنشاء اللَّه؛ فعلى ذلك الإذن هاهنا؛ حيث قال: (وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) أي: بإنشاء اللَّه، السلطان وإجرائه على أيدينا.
ويحمل الإذن المذكور في القرآن على ما يصلح ويليق بما تقدم ذكره.
ويحتمل الإذن هاهنا الأمر؛ أي: بأمر اللَّه نأتي أي: إن أمرنا اللَّه بذلك نأتى به.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ).
يشبه أن يكون ذكر هذا على إثر وعيد وأذى كان منهم إليهم؛ فقالوا: على اللَّه يتكل ويعتمد المؤمنون في دفع وعيدكم وأذاكم.
وقوله: (وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) هذا يخرج على وجهين:
أحدهما: على الأمر؛ أي: على اللَّه توكلوا أنها المؤمنون؛ في جميع ما يتوعدكم أهل الكفر؛ وفي جميع أموركم.
ويحتمل على الإخبار عن صنيع المؤمنين أنهم إنما يتوكلون على اللَّه، وبه يعتمدون في جميع أمورهم؛ ومنه يرون كل خير وبر، لا بالأسباب التي لهم ولا يرون منها. وأما أهل الكفر فإنما يتوكلون ويعتمدون بالأسباب؛ ومنها يرون كل سعة وخير. واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (١٢)
كأن هذا يخرجع على إئر جواب كان منهم؛ لما قال الرسل: (وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ