الطاعة يفضل على من يعمل بالاختيار مع تمكن الشهوات فيه، والحاجات التي تغلب صاحبها وتمنعه عن العمل بالطاعة.
أو يقول: فضلهم بالجوهر والأصل، فلا يجوز أن يكون لأحد بالجوهر نفسه فضل على غير ذلك الجوهر؛ لأن اللَّه - تعالى - لم يذكر فضل شيء بالجوهر إلا مقرونًا بالأعمال الصالحة الطيبة؛ كقوله: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً) وغيره، وقوله: (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ)، وقوله: (وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) ونحوه، لم يفضل أحدًا بالجوهر على أحد، ولكن إنما فضله بالأعمال الصالحة؛ لذلك قلنا: إن قوله يخرج على التناقض.
وتأويل قوله: (فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ) عندنا ظاهر، ولو شاء لهداهم جميعًا ووفقهم للطاعة وأرشدهم لذلك، وهو كقوله: (وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ. . .) الآية، فإذا كان الميل إلى الكفر لمكان ما جعل لهم من الفضة والزينة، فإذا كان ذلك للمؤمنين آمنوا، ثم لم يجعل كذلك؛ دل هذا على أن قولهم: (لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا) هو الأمر والرضا، أو ذكروا على الاستهزاء؛ حيث قال: (فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ).
والمعتزلة يقولون: المشيئة -هاهنا- مشيئة قسر وقهر، وقد ذكرنا أنه لا يكون في حال القهر إيمان، إنما يكون في حال الاختيار، والمشيئة مشيئة الاختيار، ولا يحتمل مشيئة الخلقة؛ لأن كل واحد بشهادة الخلقة مؤمن؛ فدل أن التأويل ما ذكر ".
فالنص يدل دلالة واضحة على تبني الماتريدي الدفاع عن عقيدة أهل السنة، التي تقول بأن أفعال العباد اختيارية ليس فيها إجبار، يقول الإسفراييني:
أفعالنا مخلوقة لله ... لكنها كسب لنا يا لاهي وكل ما يفعله العباد ... من طاعة أو ضدها مراد لربنا من غير ما اضطرار ... منه لنا فافهم ولا تماري
فأهل السنة والجماعة أثبتوا أن العباد فاعلون حقيقة، وأن أفعالهم تنسب إليهم على وجه الحقيقة لا على جهة المجاز، وأن اللَّه خالقهم وخالق أفعالهم.
هذا، وقد يصرح الماتريدي بنسبة الآراء الاعتقادية إلى أصحابها، دون تعليق منه،