السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ) يعني البشر، جعل منافع السماء متصلة بمنافع الأرض؛ مع بعد ما بينهما؛ دل أنه عن تدبير، فعل هذا وعلم، وأنه تدبير واحد؛ عليم؛ قدير.
ثم ما ذكر: من تسخير السماوات والأرض؛ مع شدة السماء وصلابتها، وغلظ الأرض وكثافتها، وتسخير البحر؛ مع أهواله وأمواجه، وتسخير الأنهار الجارية، وتسخير الشمس، والقمر، والليل، والنهار لهذا البشر.
في ذلك كله وجهان:
أحدهما: يذكرهم نعمه التي أنعمها عليهم؛ من المنافع التي جعل لهم؛ في تسخير هذه الأشياء التي ذكر لهم؛ على جهل هذه الأشياء أنهن مسخرات لغيرهن؛ يستأدي بذلك شكرها.
والثاني: يذكر سلطانه وقدرته؛ حيث سخر هذه الأشياء؛ مع شدتها، وصلابتها، وغلظها، وأهوالها. ومن قدر على تسخير ما ذكر - قادر على البعث والإحياء بعد الموت.
ويحتمل ما ذكر؛ من تسخير الأشياء التي ذكر: أنه أنشأ هذه الأشياء مسخرة مذللة لنا، والثاني: سخر لنا؛ أي: علَّمنا من الأسباب والحيل التي يتهيّأ لنا الانتفاع بها والتسخير.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ... (٣٤)
فيه لغتان وتأويلان قَالَ بَعْضُهُمْ: (وَآتَاكُمْ مِنْ كُلٍّ)؛ على التنوين؛ (مَا سَأَلْتُمُوهُ) على الجحد؛ أي: آتاكم من غير أن سألتم الأشياء التي ذكر أنه سخرها لنا؛ أي: آتاكم من غير سؤال ولا طلبة.
والثاني: وآتاكم من كل ما سألتموه وما لم تسألوه؛ لأنه أعطانا أشياء قبل أن نعلم أنه يجب أن نساله؛ حيث خلق هذه الأشياء التي ذكر من قبل أن يخلقنا.
وقال الحسن: (مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ)؛ قال: ما لم تسألوه؛ وهو ما ذكرناه؛ فإن قيل: إنا نسال أشياء لم نعطها، فما معنى الآية؟ قيل بوجوه:
أحدها: ذكر حرف التبعيض؛ وهو ما قال: (مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ). والثاني: وآتاكم علم منافع ما سألتموه قبل أن تسألوا؛ وجهه علم الانتفاع به.
والثالث: وآتاكم من كل ما يحق السؤال ويليق به.