وتأويله - واللَّه أعلم -: أنهم كانوا يطلبون من ربهم الرد إلى حال الأمن؛ ليجيبوا بقولهم: (رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ)؛ واللَّه أعلم، فقال: (وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) بتكذيبهم الرسل أي: سكنتم في الدنيا في مثل منازلهم ومساكنهم؛ فرأيتم ما نزل بأُولَئِكَ الذين صنعوا مثل صنيعكم.
وذلك قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ) من التعذيب والاستئصال ثم لم يتعظوا بما حل بهم، فعلى ذلك إذا رددتم إلى حال الأمن لا تتعظون بما حل بكم في هذه الحال، وهو ما قال: (وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) فيما يقولون: إنهم يجيبون دعوته، هذا - واللَّه أعلم - تأويله.
وقال بعض أهل التأويل: (وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ): أي: عملتم مثل أعمالهم، (وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ) من الاستئصال بالتكذيب؛ بتكذيبهم الرسل؛ فلم تتعظوا بذلك؛ فلا تتعظون بهذا أيضًا إذا رددتم. واللَّه أعلم.
وفي قوله: (وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ. . .) إلى آخر ما ذكر: دلالة لزوم النظر والاستدلال، ولزوم القياس، ودلالة لزوم العقوبة؛ وإن كان لم يعلموا به؛ بعد أن مكنوا من العلم به.
أما دلالة النظر والاستدلال: هو قوله: (وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ): فهلا نظرتم ما حلَّ بهم من تكذيبهم الرسل؛ واتعظتم به.
ودلالة القياس: هو ما خوفهم أن ينزل بهم ما نزل بأُولَئِكَ؛ لأنهم اشتركوا في المعنى الذي نزل بأُولَئِكَ؛ ما نزل وهو تكذيبهم الرسل، وسوء معاملتهم إياهم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ): أي: (وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ)؛ ما لو تفكرتم فيها ونظرتم ثم لكان ذلك لكم موعظة وزجزا عن مثل صنيعكم. أو يقول: وضربنا لكم الأمثال: أي: قد بينّا لكم الأمثال والأشباه ما يعرفكم؛ لو تأملتم أن أُولَئِكَ لكم أشباه وأمثال، وصنيعهم لصنيعكم أشباه وأمثال؛ فينزل بكم ما نزل بهم. واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (٤٦)
مكروا، واحتالوا على إهلاك الرسل وقتلهم؛ كقوله: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ. . .) الآية، وكيدهم الذي ذكر - في غير آي من القرآن - برسل اللَّه؛ حتى قال الرسل فيكيدوني جميعًا، ومكروا أيضًا بدين اللَّه الذي أتت به الرسل، مكروا