الأول: اهتمامه بالمضمون دون الشكل، والمعنى دون اللفظ.
والثاني: اهتمامه في تفسيره بالمسائل العقدية والفقهية، وهو أمر مترتب على الأول.
ثامنًا: إعمال العقل والتفسير بالرأي:
إن الماتريدي فضلاً عن اعتماده على المصادر المذكورة سابقًا، أعمل عقله في الآيات وقال فيها برأيه، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك، وهو حين يعمل عقله يقلب الآية على وجوهها المختلفة تارة، ويذكر فيها وجهًا واحدًا تارة أخرى.
فمن الأول -وهو كثير-: ما جاء في تفسيره قول اللَّه تعالى: (لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ)، حيث قال الماتريدي: قوله عَزَّ وَجَلَّ: (الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا) هذا يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يجعلهم دركات بعضها أسفل بعض؛ كقوله تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ).
والثاني: يحتمل أن يجعل بعضهم على بعض مقرنين في الأصفاد.
(فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا) قيل: يجمعه جميعًا بعضهم على بعض ".
ومن الثاني ما جاء في تفسيره لصدر الآية المذكورة (لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) حيث قال: " جعل اللَّه تعالى الخبيث مختلطًا بالطيب في الدنيا في سمعهم وبصرهم ونطقهم وجميع جوارحهم ولباسهم وطعامهم وشرابهم وجميع منافعهم من الغنى والفقر وأنواع المنافع، جعل بعضهم ببعض مختلطين في الدنيا. . . لكنه ميز بين الطيب والخبيث في الآخرة بأعلام، يعرف بتلك العلامات الخبيث من الطيب، من نحو ما ذكر في الطيب قوله: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (٢٣).
ويلفت النظر في تفسير الماتريدي بالرأي أنه يتوخى المعاني القريبة من ظاهر الآية، فهو لا يوغل في التأويل كما يفعل المتصوفة في تفسيراتهم ولا يقف عند حدود ظاهر النص كما يفعل الظاهرية، بل إن الماتريدي ينظر في الآيات نظرة فاحصة معتدلة، ويتجه إلى المعاني التي تحتملها الآيات ولا تخرج بها عن المراد منها.
القضية الثانية: طريقة الماتريدي في التفسير:
نستطيع من خلال ما عرضناه من مصادر الماتريدي في التفسير ومن خلال تأمل التفسير الذي بين أيدينا أن نتلمس بعض الخطوط العامة لمنهج الماتريدي في التفسير.