لرسوله؛ لحافظون له: بالنبوة والرسالة.
* * *
قوله تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ (١٠) وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ (١١) كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (١٢) لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (١٣) وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (١٤) لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (١٥)
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ).
قيل: في ملك الأولين. وقيل: في فرق الأولين. وقيل: في جماعات الأولين، وهو واحد.
(وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ (١١)
يصبر رسوله على استهزاء قومه إياه، وأذاهم له.
يقول - واللَّه أعلم -: لست أنت المخصوص بهذا، ولكن لك شركاء وأصحاب في ذلك؛ ليخف ذلك عليه ويهون؛ لأن العرف في الخلق أن من كان له شركاء وأصحاب في شدة أصابته أو بلاء يصيبه - كان ذلك أيسر عليه، وأهون من أن يكون مخصوصًا به، من بين سائر الخلائق. واللَّه أعلم.
كان هذه الآية صلة قولهم: (يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ)، فكأنه لما سمع هذا اشتد عليه، وضاق صدره بذلك؛ فعند ذلك قال: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ. . .) إلى آخره، يصبره على أذاهم وهزئهم به؛ فإنما يشتد عليه ذلك؛ على قدر شفقته ونصيحته لهم، وكان بلغ نصيحته وشفقته لهم ما ذكر: (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ) وقوله: (فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ)، كادت نفسه تهلك، أو ذكر هذا له لما أن هَؤُلَاءِ - أعني قومه - إنما استهزءوا به تقليدًا لآبائهم، واستهزاء بهم وتلقنوا منهم، لا أنهم أنشئوا ذلك من أنفسهم، وأُولَئِكَ - أعني: الأوائل - إنما استهزءوا برسلهم، لا تقليدًا بأحد، ولكن إنشاء من ذات أنفسهم، فمن استهزأ بآخر فشتمه تقليدًا واقتداء وتلقنًا - كان ذلك أيسر عليه وأخف ممن فعل به من ذاته؛ لأنه إنما يلقن المجانين والصبيان ومن به آفة، بمثل ذلك؛ فهم الذين يعملون بالتلقين، وأما العقلاء السالمون عن الآفات - فلا، فذلك أهون عليه من استهزاء أُولَئِكَ برسلهم واللَّه أعلم.