وقال أَبُو عَوْسَجَةَ: (مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ): الحمأ: التراب الأسود يكون في أسفل البئر، ومن هذا سمي الحمي؛ لأنه يحمي أن يرعى، ويقال: حميت الحرب، والشمس، والتنور، يحمى: إذا اشتد حره. ومسنون: أي: مخلوق.
وقال الحسن: المسنون: الذي سن عليه خلقة الخلق؛ يعني أولاده على خلقته؛ أي: على خلقته خلق الخلق، وأمثال هذا. واللَّه أعلم بذلك.
وقوله تعالى: (وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ (٢٧)
قَالَ بَعْضُهُمْ: الجان: هو إبليس. وقَالَ بَعْضُهُمْ: الجان: هو أبو الجن، وإبليس: هو أبو الشياطين؛ سقوا شياطين لتمردهم في فعلهم، ذلك مقتدر من فعلهم، ألا ترى أنه ذكر من الإنس والجن شياطين؛ وهو قوله: (شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ) وذلك لتمردهم، والجان مقتدر عن الجن. واللَّه أعلم بذلك.
والسموم: قَالَ بَعْضُهُمْ: السموم: لهب النار؛ وليس له دخان؛ وهو المارج من نار، والمارج هو المنقطع منها.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: من جنس النار؛ كأنه أراد لهبها، وقال: (مِنْ نَارِ السَّمُومِ): الحارَّة التي تقتل، فإذا كان السموم، والمارج - ما ذكر بعضهم أنه لهب النار - فمن طبعه الارتفاع والعلو، فعلى ذلك ما خلق منه طبعه الارتفاع والعلو؛ وهو الجانّ الذي ذكر، والطين طبعه التسفل والانحدار إلى الأرض؛ فعلى ذلك ما خلق منه طبعه الهوى إلى الأرض، والميل إليها.
والجانّ: قال أَبُو عَوْسَجَةَ: الجن: واحدُ الجان، والجمع: جان؛ سمي ذلك لاستجنانه. وقال غيره: الجن: الجماعة، والجانّ الواحد.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (٢٨) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ (٢٩)
أي أتممته (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) وقال في آية أخرى: (فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا).